الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } * { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } * { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } * { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } * { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } * { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } * { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } * { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ }

قوله تعالى: { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } قال المفسرون: كانوا يتعاطون علم النجوم، فأتاهم من حيث لا ينكرون حين أراد الكيد بأصنامهم، ليستدرجهم إلى مقصوده في إلزامهم الحجة، ودافعهم لئلا يحضر معهم عيدهم، وأوهمهم أنه استدل بأمارة في علم النجوم على أنه يسقم.

قال سعيد بن جبير: رأى نجماً طالعاً فنظر فيه { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ }.

أي: مشارف للسقم وهو الطاعون، وكان أغلب أمراضهم، وكانوا يخافون العدوى، فتفرقوا عنه وذهبوا إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام، ففعل ما قصّ الله تعالى في كتابه الكريم.

وقال الكلبي: كان إبراهيم عليه السلام بقرية بين البصرة والكوفة، وكانوا ينظرون في النجوم، فنظر نظرة في النجوم فقال: إني سقيم.

قال ابن عائشة: كان علم النجوم من النبوة، فلما حبس الله تعالى على يوشع بن نون الشمس أبطل ذلك.

فعلى هذا؛ يكون التقدير: فنظر نظرة في علم النجوم، أو في أحكام النجوم.

وقال قتادة: كلمة من كلام العرب، تقول إذا تفكّر الرجل في أمره: قد نظر في النجوم.

فإن قيل: هل يُعَدُّ قوله: " إني سقيم " كذباً؟

قلتُ: كلا بل هو من معاريض الكلام. وقد أشبعت القول في مثل هذا في سورة الأنبياء في قصة إبراهيم عليه السلام.

ومراده هاهنا: إني سَاقِم، كما قال تعالى:إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر: 30].

وقيل: إني سقيم النفس لكُفْرِكُم.

{ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } ذهَبَ إليها خفية، ومنه: رَوْغَةُ الثعلب. وكانوا تركوا بين أيدي آلهتهم طعاماً [لتبارك] لهم فيه [على زعمهم] { فَقَالَ } إبراهيم عليه السلام مستهزءاً بها وبهم: { أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ }.

{ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } أي: مَالَ عليهم. و " ضَرْباً ": مصدر.

وفي قوله: " باليمين " ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه أراد الجارحة المعلومة، أي: ضربهم بيده اليمنى؛ لأن الضرب بها أشد وأمكن؛ لقوتها.

الثاني: أنه أراد بالقوة والقدرة. قاله السدي.

وقيل: بقوة النبوة.

والثالث: أن المعنى: " ضَرْباً باليمين " أي: بسبب اليمين حين قال:وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [الأنبياء: 57]. حكاه ابن عيسى وغيره.

{ فأقبلوا إليه يَزِفُّون } وقرأ حمزة: " يُزِفُّون " بضم الياء، وقرأتُ بها أيضاً لعاصم من رواية أبان عنه، ومن رواية أبي زيد عن المفضل عنه.

فمن قرأ بفتح الياء فمعناه: فأقبلوا إليه يُسرعون؛ من زَفيف النعامة، وهو أول عَدْوِهَا، يقال: جاء يزِفُّ زَفيفَ النعامة، ويقال: زفَّتِ الإبل تَزفُّ؛ إذا أسرعت.

ومن ضم الياء فهو من أَزَفَّ، إذا دخل في الزَّفيف، أو من أزفَّه، إذا حمله على الزَّفِيف، أي: يُزفُّ بعضهم بعضاً، أو يُزفُّون دوابهم، فإنه بلغهم صنيع إبراهيم بآلهتهم.

فلما أقبلوا عليه قال محتجاً عليهم: { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } وبهذه الآية احتج علماء الحق على إبطال مذهب القَدَرية والجبرية بناء على أن " ما " مصدرية.

السابقالتالي
2