قوله تعالى: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } أي: دعانا على قومه حين أَيِسَ منهم، { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } اللام جواب قسم محذوف، والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: فوالله لنعم المجيبون نحن. والمراد: أجبناه أحسن الإجابة من نصره على أعدائه والانتقام منهم بأبلغ أنواع العذاب. { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } وذلك أنه مات كل من كان معه في السفينة غير ولده. وقيل: المعنى: هم الذين بقوا متناسلين إلى يوم القيامة، وذلك أنه كان معه في السفينة أولاده الثلاثة: سام - وهو أبو العرب -، ويافث - أبو الروم - وحام - أبو الحبش -. قال بعض العرب يصف سوداء:
عجوزٌ من بني حَام بن نُوح
كأنَّ جَبينها حَجَرُ المقام
وقيل: سام أبو العرب وفارس والروم، ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب. والأول أصح؛ لما أخرج الترمذي من حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم ". { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } قال ابن عباس: تركنا عليه ثناء حسناً، وهو قوله تعالى: { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ }. وهو من الكلام المحكي. قوله تعالى: { فِي ٱلْعَالَمِينَ } إعلام بثبات ذلك ودوامه في الملائكة والثقلين، وأنهم يسلمون عليه عن آخرهم إلى يوم القيامة. ثم نبّه على أن علّة هذا العطاء الجزيل والثناء الجميل إحسان نوح وإيمانه، فقال تعالى: { إِنَّا كَذَلِكَ... } إلى آخر الآيتين.