الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

ولما تمت قصة المؤمن وقرينه رجع إلى ذكر الرزق المعلوم فقال: { أَذَلِكَ } يعني: الرزق { خَيْرٌ نُّزُلاً } قال الزجاج والزمخشري: النُّزُل هاهنا: الرَّيْعُ والفَضْلُ في الطعام، يقال من ذلك: هذا طعام كثير النُّزُل، بتسكين الزاي وضَمِّها، والنَّزَل أيضاً.

قال الزمخشري: فاستعير للحاصل من الشيء، وحاصل الرزق المعلوم: اللذة والسرور، وحاصل شجرة الزقوم: الألم والغم.

وانتصاب " نُزُلاً " على التمييز، ولك أن تجعله حالاً، كما تقول: أثَمر النخلة خير بلحاً أم رطباً؟ يعني: أن الرزق المعلوم نُزُل أهل الجنة، وأهل النار نُزُلهم شجرة الزقوم، فأيهما خير في كونه نزلاً. والنُّزُل: ما يقال للنازل بالمكان من الرزق. ومنه: إنزال الجند لأرزاقهم. ومعنى الأول: أن للرزق المعلوم نُزُلاً، ولشجرة الزقوم نُزُلاً، فأيهما خير نزلاً؟. ومعلوم أنه لا خير في شجرة الزقوم، ولكن المؤمنين لما اختاروا ما أدى إلى الرزق المعلوم، واختار الكافرون ما أدى إلى شجرة الزقوم، قيل لهم ذلك توبيخاً على سوء اختيارهم.

قال الماوردي: هي شجرة في النار يقتاتها أهل النار، مُرّة الثمرة، خَشِنَة الملمس، مُنْتِنَة الريح.

فلما نزلت هذه الآية قال كفار قريش: ما نعرف هذه الشجرة. فقال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر: التمر والزبد، فقال أبو جهل: يا جارية أبغينا تمراً وزبداً، ثم قال لأصحابه: تزقموا، هذا الذي يخوفنا به محمد، [يزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر].

قال قتادة: لما ذكر الله تعالى هذه الشجرة افتتن بها الظلمة، فقالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تأكلها، فأنزل الله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ }.

أي: محنةً [وعذاباً] لهم في الآخرة، وابتلاء لهم في الدنيا.

{ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } قال الحسن: أصلها في قعر جهنم، وأغصانها ترفع إلى دركاتها.

{ طَلْعُهَا } الطَّلْع للنخلة، فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها، { كَأَنَّهُ } في قبح منظره وشدة كراهته { رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } وشبهه برؤوس الشياطين وإن كانوا لم يروها؛ لما تقرر في أنفس الناس من قبحها، لكون الشيطان شراً محضاً، ألا تراهم يقولون للشيء المتناهي في القبح: كأنه شيطان، وللقبيح الصورة: كأنه وجه شيطان، وإذا [صَوَّره] المصورون جاؤوا به على أقبح ما يقدروا، وبالعكس من ذلك [تشبيههم] الأشياء المتناهية الحُسْن بالملائكة؛ لما تقرر في النفوس من حسن الصورة المَلَكية وإن لم يشاهدوها؛ لكون المَلَك خيراً محضاً، ومنه قوله تعالى:مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } [يوسف: 31].

قوله تعالى: { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا } أي: مِنْ ثَمَرِها { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } إما لما يغلبهم من الجوع المفْرط، أو لكونهم يُكرهون على أكلها. { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً } أي: لَخَلْطاً ومزاجاً { مِنْ حَمِيمٍ } وهو الماء المتناهي الحرارة، إما أنهم يشربونه لعطشهم إذا أكلوا الزقوم، أو يُشاب لهم الزقوم بالحميم قبل تناوله.

السابقالتالي
2