الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

قوله تعالى: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } يريد: أهل الجنة يتساءلون عن أحوالهم في الدنيا.

{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } أي: صاحب في الدنيا ينكر البعث، وهو قوله: { أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } يعني: بالبعث.

قال ابن عباس: شريكٌ كان يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه.

وقال مجاهد: شيطانٌ كان يغويه.

وكثيرٌ من المفسرين يقولون: هما اللذان قص الله تعالى علينا قصتهما في الكهف في قوله تعالى:وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [الكهف: 32].

قوله تعالى: { لَمَدِينُونَ } أي: مجزيون ومحاسبون، والاستفهام للإنكار.

" قال " يعني: القائل، " إني كان لي قرين ".

وقيل: الله عز وجل. وقيل: بعض الملائكة.

فإن قلنا: هو صاحب القرين؛ فالمعنى: قال لأصحابه في الجنة: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } إلى النار ينظر كيف منزلة أخي. وقد نُقل أن في الجنة كوىً ينظر منها أهل الجنة إلى أهل النار.

وإن قلنا: هو الله تعالى أو بعض الملائكة؛ كان المعنى: هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لتعلموا فرق ما بين المنزلتين.

{ فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ } أي: فرأى قرينه { فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أي: في وسطها، سُمي بذلك؛ لاستواء المسافة منه إلى الجوانب.

وقرأ جماعة، منهم ابن عباس وابن محيصن: " مُطْلِعُونَ " بالتخفيف وفتح النون.

قال الزجاج: هو بمعنى طَالِعُون ومُطَّلِعُون، يقال من ذلك: طَلَعْتُ عليهم واطَّلَعْتُ عليهم في معنى واحد.

قال الزمخشري: قيل: الخطاب على هذا للملائكة.

وقرئ: " مُطْلِعُونِ " بكسر النون، أراد: مطلعون إياي؛ فوضع المتصل موضع المنفصل، كقوله:
هُمُ الفاعلونَ الخيرَ والآمرُونه    إذا ما خَشُوا من حادثِ الأمر مُعْظَمَا
قال الزجاج: كسر النون شاذ عند البصريين والكوفيين جميعاً، وله عند الجماعة وجه ضعيف، وقد جاء مثله في الشعر وهو قوله، وأنشد البيت ثم قال: وإنما الكلام: والآمروه، وكل أسماء الفاعلين إذا ذكرت بعدها المضمر لم تذكر النون والتنوين، تقول: زيدٌ ضَارِبي وهم ضاربوك.

وقال ابن جني: هو على لغة ضعيفة، وهو أن يجري اسم الفاعل مجرى الفعل المضارع؛ لقربه منه، فيجري " مُطلعوني " مجرى " يُطلعوني " ، وهو شاذ.

{ قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } قال الزمخشري: " إنْ " مخففة من الثقيلة، وهي تدخل على " كاد " كما تدخل على " كان " ، ونحوه:إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } [الفرقان: 42] واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.

" لتُرْدِين ": لتهلكني.

{ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي } وهي العصمة والتوفيق للتمسك بعروة الإسلام، { لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } في النار.

قال ابن السائب: ثم يؤتى بالموت فيُذْبَح، فإذا أمن أهل الجنة فرحوا، وقالوا: { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ } التي كانت في الدنيا { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } فقيل لهم: لا، فعند ذلك قالوا: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } قال الله تعالى: { لِمِثْلِ هَـٰذَا } النعيم { فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }.

قال الزمخشري: الذي عطفت عليه الفاء محذوف، معناه: أنحن مخلدون منعمون، فما نحن بميتين ولا معذبين.