قوله تعالى: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } يريد: أهل الجنة يتساءلون عن أحوالهم في الدنيا. { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } أي: صاحب في الدنيا ينكر البعث، وهو قوله: { أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } يعني: بالبعث. قال ابن عباس: شريكٌ كان يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه. وقال مجاهد: شيطانٌ كان يغويه. وكثيرٌ من المفسرين يقولون: هما اللذان قص الله تعالى علينا قصتهما في الكهف في قوله تعالى:{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [الكهف: 32]. قوله تعالى: { لَمَدِينُونَ } أي: مجزيون ومحاسبون، والاستفهام للإنكار. " قال " يعني: القائل، " إني كان لي قرين ". وقيل: الله عز وجل. وقيل: بعض الملائكة. فإن قلنا: هو صاحب القرين؛ فالمعنى: قال لأصحابه في الجنة: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } إلى النار ينظر كيف منزلة أخي. وقد نُقل أن في الجنة كوىً ينظر منها أهل الجنة إلى أهل النار. وإن قلنا: هو الله تعالى أو بعض الملائكة؛ كان المعنى: هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لتعلموا فرق ما بين المنزلتين. { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ } أي: فرأى قرينه { فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أي: في وسطها، سُمي بذلك؛ لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. وقرأ جماعة، منهم ابن عباس وابن محيصن: " مُطْلِعُونَ " بالتخفيف وفتح النون. قال الزجاج: هو بمعنى طَالِعُون ومُطَّلِعُون، يقال من ذلك: طَلَعْتُ عليهم واطَّلَعْتُ عليهم في معنى واحد. قال الزمخشري: قيل: الخطاب على هذا للملائكة. وقرئ: " مُطْلِعُونِ " بكسر النون، أراد: مطلعون إياي؛ فوضع المتصل موضع المنفصل، كقوله:
هُمُ الفاعلونَ الخيرَ والآمرُونه
إذا ما خَشُوا من حادثِ الأمر مُعْظَمَا
قال الزجاج: كسر النون شاذ عند البصريين والكوفيين جميعاً، وله عند الجماعة وجه ضعيف، وقد جاء مثله في الشعر وهو قوله، وأنشد البيت ثم قال: وإنما الكلام: والآمروه، وكل أسماء الفاعلين إذا ذكرت بعدها المضمر لم تذكر النون والتنوين، تقول: زيدٌ ضَارِبي وهم ضاربوك. وقال ابن جني: هو على لغة ضعيفة، وهو أن يجري اسم الفاعل مجرى الفعل المضارع؛ لقربه منه، فيجري " مُطلعوني " مجرى " يُطلعوني " ، وهو شاذ. { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } قال الزمخشري: " إنْ " مخففة من الثقيلة، وهي تدخل على " كاد " كما تدخل على " كان " ، ونحوه:{ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } [الفرقان: 42] واللام هي الفارقة بينها وبين النافية. " لتُرْدِين ": لتهلكني. { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي } وهي العصمة والتوفيق للتمسك بعروة الإسلام، { لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } في النار. قال ابن السائب: ثم يؤتى بالموت فيُذْبَح، فإذا أمن أهل الجنة فرحوا، وقالوا: { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ } التي كانت في الدنيا { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } فقيل لهم: لا، فعند ذلك قالوا: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } قال الله تعالى: { لِمِثْلِ هَـٰذَا } النعيم { فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }. قال الزمخشري: الذي عطفت عليه الفاء محذوف، معناه: أنحن مخلدون منعمون، فما نحن بميتين ولا معذبين.