الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } * { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } * { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ }

قوله تعالى: { فَٱسْتَفْتِهِمْ } قال الزجاج: سَلْهم سؤال تقرير.

{ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أحكم صنعة أو أقوى خلقاً، من قولهم: شديد الخَلق والخُلق، { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } يريد: ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسموات والأرض والمشارق والمغارب والكواكب والشهب الثواقب والشياطين المَرَدَة. وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد وسعيد بن جبير.

والمعنى: فكيف ينكرون قدرتي على إعادة الأموات، وقد شاهدوا عظائم مخلوقاتي ودلائل قدرتي. قولهم: { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } تسجيلٌ عليهم بالضعف بالنسبة إلى هذه المخلوقات العظام، وتنبيهٌ لهم على عجائب قدرة من أنشاهم من تراب مجبول، ليستدلوا بأحد المقدورين على الآخر.

وقيل: المعنى: أهم أشد خلقاً أم من خلقنا من الأمم الماضية قبلهم، وقد أهلكنا أولئك حين كذبوا وكفروا وكانوا أشدّ منهم قوة وأعظم بطشاً، فما ظن هؤلاء؟ والمفسرون يقولون: نزلت هذه الآية في ركانة بن زيد بن هاشم بن عبد مناف، وأبي الأشدين كلدة.

يقال: لَزِبَ يَلْزُبُ لُزُوباً؛ إذا لَزِق.

قال ابن عباس: من طين لاصق.

وقال قتادة: لازق.

قال الواحدي: المعنى: أن هؤلاء الكفار خلقوا مما خلق منه الأولون [فليسوا بأشد خلقاً منهم، وهذا إخبار عن التسوية بينهم وبين] غيرهم من الأمم في الخلق.

وهذا عندي غير مستقيم؛ لأن الأمم الماضية كانت أحكم بُنْية، وأشدّ قوة، وأعظم أجراماً، وقد نطق القرآن بأنهم كانوا أشد منهم قوة في مواضع، وإنما أراد الله تعالى تقريرهم بضعفهم بالنسبة إلى الذين من قبلهم؛ لتتضاءل أنفسهم عندهم؛ حيث يعظموا شدّة قواهم. ثم بين ضعف الجميع بقوله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ }.

قوله تعالى: { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } أضْرَبَ عن الكلام الأول ثم أخذ في غيره، فكأنه قيل: دَعْ يا محمد ما مضى، عجبت أنت من قدرة الله تعالى على هذه الخلائق العظيمة وهم يسخرون منك ومن تعجبك.

وقرأ حمزة والكسائي: " عَجِبْتُ " بضم التاء، وهي قراءة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

قال أبو وائل: قرأ عبدالله بن مسعود: " بل عجبتُ " ، فقال شريح: إن الله لا يعجب، إنما يعجب من لا يعلم.

قال الأعمش: فذكرته لإبراهيم، فقال: إن شريحاً كان معجباً برأيه، وإن عبدالله قرأ: " بل عجبتُ " ، وعبدالله أعلم من شريح.

قال الزجاج رحمه الله: إنكار هذا غلط؛ لأن القراءة به، والرواية كثيرة، والعجب من الله تعالى بخلاف العجب من الآدميين، وأصل العجب في اللغة: أن الإنسان إذا رأى ما [ينكره] ويقلّ مثله قال: قد عجبتُ من كذا وكذا، فكذاك إذا فعل الآدميون ما ينكره الله تعالى جاز أن يقول فيه: عجبتُ، والله تعالى قد علم الشيء قبل كونه، ولكن الإنكار إنما يقع والتعجب الذي به يلزم الحجة عند وقوع الشيء.

السابقالتالي
2