قوله تعالى: { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } هذا خطاب لأهل مكة. قال ابن عباس: فإنكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله. { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } قال الواحدي: " ما أنتم عليه " أي: على ما تعبدون. وقال الزمخشري: الضمير في " عليه " لله عز وجل. معناه: ما أنتم بفاتنين على الله إلا أصحاب النار الذين سبق في علمه أنهم بسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها. فإن قلت: كيف يفتنونهم على الله؟ قلتُ: يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهوائهم، من قولك: فتن فلان على فلان امرأته، كما تقول: أفسدها عليه وخيَّبَها عليه. قال: ويجوز أن يكون الواو في " وما تعبدون " بمعنى: مع، على معنى: إنكم مع ما تعبدون، أي: إنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تبرحون تعبدونها. ثم قال: { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } ، أي: [على] ما تعبدون " بفاتنين " بحاملين على طريق الفتنة والإضلال. { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } في سابق علمه قضائه وحكمه. قال عمر بن عبد العزيز: فصلت هذه الآية بين الناس. يشير إلى إبطال ما انتحلته القَدَرية. وقرأ الحسن: " صَالُ الجحيم " بضم اللام. قال ابن جني: شيخنا أبو علي يحمله على أنه حذف لام " صالٍ " تخفيفاً، وأعرب اللام بالضم، كما حُذفت لام البالة من قولهم: ما باليت به بالةً، وهي البالية كالعَافية. وذهب قطرب إلى أنه أراد به جمع " صالٍ " ، أي: صالون، فحذفت النون للإضافة، وبقَّى الواو [في] " صالو " ، فحذفها من اللفظ لالتقاء الساكنين، وحُمل على معنى " من "؛ لأنه جمع، فهو كقوله تعالى:{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } [يونس: 42]. قال ابن جني: وهذا حسن عندي. وقول أبي علي وجه مأخوذ به. قوله تعالى: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } هذا قول الملائكة. والتقدير: وما منا أحد، ولا بد من هذا المحذوف ليعود الضمير في قوله: " إلا له " إليه. والمعنى: إلا له مقام معلوم في العبادة ينتهي إليه ولا يتجاوزه ولا يقصر عنه، كما يروى: أن منهم من هو راكع لا يقيم صلبه، وساجد لا يرفع رأسه. قال قتادة: كان الرجال والنساء يصلون جميعاً حتى نزلت: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } ، فتقدم الرجال وتأخر النساء. { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } يصفون أقدامهم في الصلاة، أو أجنحتهم في الهواء ينتظرون أمر الله تعالى. وقال أبو مالك: كان الناس يصلون متبددين، فأنزل الله تعالى: { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يَصْطَفُّوا. { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } المُصَلُّون أو المنزهون. ثم عاد إلى الإخبار عن المشركين فقال: { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ } هذه " إِنْ " المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، تقديره: وإن الشأن والأمر كأن المشركون ليقولون. { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي: لو جاءنا كتاب كما جاء غيرنا { لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } كما قالوا:{ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } [الأنعام: 157].