الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ } * { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } وقرأتُ لابن عامر من بعض طرقه: " وإنَّ اليَاسَ " بوصل الهمزة. والابتداء على هذه القراءة بفتح الهمزة، جعل الهمزة التي تصحب اللام للتعريف، كقوله: { واليَسْعَ } [الأنعام:86].

والوجه: قراءة العامة؛ لأن الهمزة ثابتة في هذا الاسم وليست للتعريف، يدل على ذلك قوله: { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ }.

واختلف فيه، فقال عبدالله بن مسعود: هو إدريس عليه السلام، وفي قراءته: " وإن إدريس لمن المرسلين " ، " سلام على إدراسين " ، وهذا قول قتادة وعكرمة.

وقال عامة المفسرين وأهل العلم بالتاريخ: هو نبي من أنبياء بني إسرائيل.

قال ابن عباس: هو عم اليسع، وقالوا: هو إلياس بن ياسين بن العيزار بن هارون بن عمران.

قال ابن إسحاق وغيره: بعثه الله تعالى إلى سبطه، وكانوا يسكنون بعلبك، وكان ملكهم قد حملهم على عبادة الأوثان، وكان لهم صنم يقال له: [ " بَعْل " ]، طوله عشرون ذراعاً، له أربعة أوجه، فجعل إلياس يدعوهم إلى عبادة الرحمن ورفض الأوثان، فاستجاب له الملك، وكان إلياس يقوم بأمره ويسدده، وكان للملك امرأة فاجرة، وكان يستخلفها على رعيته إذا غاب، فتبرز للناس وتحكم بينهم، وكانت قَتَّالة للأنبياء والأولياء، وكان للملك جار صالح.. له جنينة إلى جنب قصر الملك وامرأته، وكان [الملك يحسن إليهما]، وكانت امرأته تحسده عليها، فاحتالت عليه في أخذها منه.. في بعض أسفار الملك أنه قد سبّ الملك، وكان حكمهم إذ ذاك أن من سبّ الملك قُتِلَ، فقتلته وأخذت الجنينة، فغضب الله تعالى عليهم، فلما قدم الملك سَفَّهَ رأيها فيما فعلت، فقالت: غضبتُ لك وحكمتُ بحكمك، فأوحى الله تعالى إلى إلياس أن قل له [ولزوجته]: إن الله تعالى قد غضب لوليه حين قتلتموه ظلماً، وآلى على نفسه إن لم تتوبا وتردّا الجنينة إلى ورثة وليي؛ أن يهلكهما في جوف الجنينة أيسر ما تكونان، ثم يدعكما جيفتين مُلقاتين فيها حتى تتعرى عظامكما من لحومكما، ولا يتمتعان بها إلا قليلاً، فلما بلغه رسالة ربه اشتد غضبه على إلياس وقال: والله ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلاً، والله ما أرى إلا فلاناً وفلاناً - سَمّى ملوكاً كانوا يعبدون الأوثان- إلا على مثل ما نحن عليه، يأكلون ويشربون ويتمتعون، ما ينقص من دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل، وما ترى لنا عليهم من فضل، وهمَّ بتعذيب إلياس، فلما أحس بذلك خرج هارباً منه، فلحق بشواهق الجبال، وعاد الملك إلى عبادة الأوثان، وعكف على " بَعْل " يعبده من دون الله، وجعل له أربعمائة سادن يحفظونه ويقومون بأمره، وكان الشيطان يدخل في جوفه فيكلم السدنة، فمرض ابن الملك -وكان يحبه حباً شديداً- فسأل السدنة أن يلتمسوا له الشفاء من " بَعْل " ، فدعوه فلم يجبهم، ومنعت القدرة الإلهية الشيطان أن يلج في جوف " بَعْل " ، فلما طال ذلك عليهم قالوا: أيها الملك إن إلهك عليك غضبان، قال: ولم وأنا أعبده وأطيعه؟ قالوا: لأنك لم تقتل إلياس وفرطت فيه حتى نجا سالماً، وهو كافر بإلهك، فخذْ في طلبه، وهلك ابنه، ودعا عليهم إلياس فحبس الله تعالى عليهم القطر ثلاث سنين وهلك أكثرهم، فرجع إليهم إلياس فقال: إن كنتم لم تعلموا أنكم على باطل فاخرجوا بأصنامكم وادعوها، فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل، فنزعتم ورجعتم [ودعوتم] الله تعالى فكشف ما بكم، فقالوا: أنصفت، وفعلوا، فلما رأوا أنها لم تجبهم إلى ما سألوا لجأوا إلى إلياس، فدعا الله تعالى لهم فنشأت سحابة مثل الترس فأقبلت نحوهم وطبقت الآفاق، ثم أرسل الله تعالى المطر فأغاثهم، فلما [كشف] الله عنهم نقضوا العهد ولم ينزعوا عن ضلالتهم، فلما رأى إلياس ذلك دعا [ربه عز وجل أن يريحه منه]، فقيل له: انظر يوم كذا وكذا فاخرج إلى موضع كذا [وكذا، فما جاءك من شيء فاركبه] ولا تهبه، فأقبل [فرسٌ] من نار حتى وقف بين يديه، فوثب [عليه إلياس] فانطلق الفرس، فكان ذلك آخر العهد به، وقطع الله عنه لذة المطعم والمشرب، وكساه الريش، وكان إنسياً ملكياً، أرضياً سمائياً، وسلط الله تعالى على الملك وقومه عدواً لهم فقصدهم، فقتل الملك وزوجته في الجنينة، ولم تزل جيفتاهما ملقاتين في تلك الجنينة حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما، ونبأ الله اليَسْع وبعثه إلى بني إسرائيل رسولاً، وأيَّدَهُ بمثل ما أيَّدَ به إلياس، فآمنت به بنوا إسرائيل، وكانوا يعظمونه وينتهون إلى أمره.

السابقالتالي
2 3