الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } * { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ }

{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي } قال ابن عباس: مُهَاجر إلى ربي، يعني: أهجر ديار الكفر وأذهب إلى حيث أمرني ربي.

وقال قتادة: ذاهب إلى ربي بقلبي وديني وعملي.

قال مقاتل: فهاجر من أرض العراق، وهو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة.

وفي قوله: { سَيَهْدِينِ } قولان:

أحدهما: سيرشدني إلى طريق الهجرة. وهو قول جمهور المفسرين.

الثاني: سيرشدني إلى ما فيه صلاحي وتوفيقي، وهو الظاهر.

فلما استقر بدار هجرته - قال مقاتل: هي الأرض المقدسة - سأل ربه الولد فقال: { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } ولفظ الهِبة مُشعرٌ بالولد وغالبٌ عليه، ومنه:وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } [الأنبياء: 90]، وفَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } [مريم: 5]، ومنه قول علي حين هَنَّأ عبدالله بن العباس بولده علي عليهم السلام أبي الخلفاء: شكرت الواهب، وبورك في الموهوب.

{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } أي: وقور.

قال الحسن: ما سمعت الله تعالى نحل عباده شيئاً أجلّ من الحلم.

قال الزجاج: وهذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر، وأنه يبقى حتى ينتهي في السن ويُوصف بالحلم.

{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } قال قتادة: مشى معه.

وقال الحسن: مشى معه للعمل الذي تقوم به الحجة.

قال ابن عباس: صام وصلى، ألم تسمع إلى قوله تعالى:وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } [الإسراء: 19].

قال المفسرون: كان ابن ثلاث عشرة سنة.

{ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } قال مقاتل: رأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات.

قال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي.

وقال قتادة: رؤيا الأنبياء حق، إذا رأوا شيئاً فعلوه.

{ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } وقرأ حمزة والكسائي: " تُرِي " بضم التاء وكسر الراء.

فمن قرأ: " تَرَى " بفتح التاء والراء، فمعناه: ماذا ترى من صبرك أو جزعك، أو ماذا ترى من الرأي.

ومن قرأ: " تُرِي " فعلى معنى: ماذا تبصر من رأيك وتبديه وتشير به.

وقال الفراء: ماذا تريني من صبرك أو جزعك.

وعلم أنه لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، فإن ذلك كان حتماً من الله تعالى، بل ليعلم ما عنده مما نزل به من البلاء العظيم، وليؤانسه ويثبته ويستدرجه إلى الاستسلام والانقياد لما أمر به فيه، فظهر فيه أثر تلك البشارة المؤذنة براجح علمه، فذلك قوله: { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } به من ذبحي { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } على بلائه.