الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } * { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } * { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

قوله تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا } يريد: السماء القربى إلى الأرض.

{ بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } قرأ عاصم وحمزة: " بزينةٍ " بالتنوين. وقرأ أبو بكر: " الكواكبَ " بالنصب، وقرأ الباقون بإضافة " الزينة " إلى " الكواكب ".

فمن نوّن وخفض " الكواكب " جعل الكواكب بدلاً من " الزينة "؛ لأنها هي هي، كما تقول: مررت بأبي عبدالله محمد. ومن نوّن ونصب " الكواكبَ " جعلها بدلاً من محل " زينة ".

وقال أبو علي: أعمل الزينة في الكواكب، المعنى: بأن زينّا الكواكب فيها. والباقون أضافوا المصدر إلى المفعول به، كقوله تعالى:مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ } [فصلت: 49]، وقوله تعالى:بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ } [ص: 24]، والمعنى: بأن زينا الكواكب فيها.

{ وَحِفْظاً } محمول على المعنى، تقديره: إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظاً { مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ }.

وقيل: المعنى: وحفظناها حفظاً.

قال قتادة: خلقت النجوم لثلاث؛ رجوماً للشياطين، ونوراً يهتدى بها، وزينة للسماء الدنيا.

قوله تعالى: { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر: " يَسَّمَّعُون " بتشديد السين وفتحها، أصله: يتسمَّعون، أدغموا التاء في السين.

وقرأ الباقون: " يَسْمَعُون " ، من سمع يسمع.

قال ابن عباس: يتسمعون ولا يسمعون.

قال الزمخشري: إن قلت: كيف اتصل " لا يَسَّمَّعُون " بما قبله؟

قلتُ: لا يخلو من أن يتصل بما قبله على أن يكون صفة لكل شيطان، أو استئنافاً، فلا تصح الصفة؛ لأن الحفظ من شياطين لا يسمعون ولا يتسمعون لا معنى له، وكذلك الاستئناف؛ لأن سائلاً لو سأل: كيف تحفظ من الشياطين؟ فأجيب بأنهم لا يسمعون؛ لم يستقم، فبقي أن يكون كلاماً منقطعاً مبتدأ اقتصاصاً، لما عليه حال المسترقة للسمع، وأنهم لا يقدرون أن يستمعوا إلى كلام الملائكة، أو يستمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن ذلك، إلا من أمهل حتى خطف خطفة واسترق استراقة؛ فعندها تعاجله الهلكة بإتباع الشهاب الثاقب.

فإن قلت: هل يصح قول من زعم [أن أصله]: " لئلا يسمعوا " فحذفت اللام كما حذفت في قولك: جئتك أن تكرمني، فبقي: أن لا يسمعوا، فحذفت " أن " وأهدر عملها، كما في قول القائل:
ألا أيُّهَذا الزَّاجري أحْضُرُ الوغى    .........................
قلتُ: كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده، فأما اجتماعهما فمنكر من المنكرات، على أن صون القرآن عن مثل هذا التعسف واجب.

فإن قلت: أي فرق بين سمعت فلاناً يتحدث، وسمعت إليه يتحدث، وسمعت حديثه، وإلى حديثه؟

قلتُ: المعدّى بنفسه يفيد الإدراك، والمعدى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك.

والملأ الأعلى: الملائكة؛ لأنهم يسكنون السماوات.

وقال ابن عباس: هم الكَتَبَة من الملائكة.

{ وَيُقْذَفُونَ } أي: يرمون { مِن كُلِّ جَانِبٍ } أي: من جميع جوانب السماء أين صعدوا للاستراق.

السابقالتالي
2