الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ } سبب نزولها: أن رجلاً من كفار قريش أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم نَخِر ففتَّه بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزعم أن الله تعالى يحيي هذا بعدما رَمَّ؟ فقال: نعم، يُميتك الله ثم يُحييك ثم يُدخلك نار جهنم.

واختلف في هذا الرجل؛ فقيل: هو العاص بن وائل.

وقيل: أبو جهل. رويا عن ابن عباس.

وقال الحسن: أمية بن خلف.

وقال مجاهد وقتادة وعامة المفسرين: هو أُبيّ بن خلف.

{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } في إنكار البعث بالعظم البالي يفتُّه في يده ويُنكر قدرتنا على إعادته.

{ وَنَسِيَ خَلْقَهُ } أي: وترك النظر في خلق نفسه وعنصره وكوني أوجدته من نطفة خسيسة مَهينة خارجة من قناة البول، ونقلته بقدرتي ونعمتي من حال إلى حال، حتى جعلته سميعاً بصيراً متكلماً، قادراً عالماً فاهماً، ثم جحد حقِّي وكفر نعمتي، وأنكر وحدانيتي، وعَبَدَ الأصنام من دوني، وتصدى لنصرة حجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، يروم أن يجعله بزعمه شريكاً لي، وأنكر قدرتي على إحياء عظام أنا أنشأتها وفَطَرْتها ابتداء، وأخرجتها من العدم إلى الوجود.

{ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } يقال: رَمَّ العظمُ يرمُّ رمّاً؛ إذا بلي فهو رميم، والعظام رميم.

قال الزمخشري: الرَّميم: اسم لما بلي من العظام غير صفة، [كالرمة] والرفات، فلا يقال: لمَ لمْ يؤنث وقد وقع خبر المؤنث؟ ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول.

فصل

احتج علماؤنا بهذه الآية على نجاسة عظام الميتة من حيث كونها قابلة للموت ضرورة قبولها للحياة.

قوله تعالى: { وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } أي: يعلم كيف يخلق، لا يتعاظمه شيء من خلق المنشآت والمعادات.

ثم ذكر من بدائع خلقه ما يدلهم على قدرته على ما أحالته عقولهم الضعيفة، فذلك قوله تعالى: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً } أي: الذي جعل النار المحرقة من الشجر الأخضر الرّطب، وجمع بينهما مع مضادة النار الماء وإشعالها الحطب، وأكثر ما تكون النار في المَرْخ والعَفَار، وفي أمثالهم: (في كل شجر نار، واستمْجَدَ المَرْخُ والعَفَار)، يقطع الرجل منهما عويدتين كالسواكين وهما خضراوان يقطران الماء، فيسحق المرخ وهو ذكر، على العفار وهي أنثى، فتنقدح النار بإذن الله تعالى.

ويروى عن ابن عباس: ليس من شجرة إلا وفيها نار إلا العناب. قالوا: ولذلك يتخذ منه كُذَيْنِقَات القصارين.

وقوله تعالى: { ٱلأَخْضَرِ }: على اللفظ. وقيل: الشجر، جمع يؤنث ويذكر، قال الله تعالى:مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } [الواقعة: 52-53]، وقال تعالى هاهنا: { مِّنْه تُوقِدُونَ }.