الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } قرأ عاصم وحمزة: " نُنَكِّسْه " بالتشديد وكسر الكاف، من التنكيس. وقرأ الباقون: بفتح النون الأولى وإسكان الثانية وضم الكاف وتخفيفها.

قال أبو الحسين: [نَنْكُسُه] هو كلام العرب، ولا يكادون يقولون: نكَّسْتُه، - يعني: بالتشديد - إلا لما يُقلب فيجعل رأسُه أسفل.

قال الزجاج: من أطَلْنا عُمْره نكَّسْنا خَلْقَه، فصار بدل القوة الضعف، وبدل الشباب الهرم.

{ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } بالتاء والياء، وقد سبق.

والمعنى: أفلا يعقلون أن القادر على تصاريف أحوال الناس ونقلهم من حال إلى حال قادر على البعث بعد الموت.

قوله تعالى: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ } أي: ليس الذي علمناه من القرآن شعراً، أو قول الشعر، وذلك أن كفار مكة قالوا: إن هذا الذي يقوله محمد شِعْر، وإن محمداً شاعر.

{ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } أي: ما يصحّ له ولا يتأتّى له لو طلبه، لأنا صرفناه عنه ولم نجعل له طبعاً متأنياً منقاداً لقوله. ولقد كان يتمثّل ببيت من الشعر لغيره فيكسره, فروى الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: كفى الإسلام والشيب للمرء ناهياً، فقال أبو بكر: [يا رسول الله، إنما قال الشاعر]:
............................    كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً
أشهد أنك رسول الله، ما علّمك [الشعر] وما ينبغي لك. وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بيت أخي بني قيس -يعني طرفة-:
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كُنتَ جاهلاً   ويأتيكَ بالأخبار من لم تُزوّد
فجعل يقول: ويأتيك من لم تزود بالأخبار، فيقول أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فيقول: لست بشاعر ولا ينبغي لي.

ودعا يوماً بعباس بن مرادس فقال: أنت القائل:
أتجعلُ نهبي ونهبَ العبيـ   ـد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي لم يقلْ كذلك، فأنشده أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يضرك بأيهما [بدأت]، فقال أبو بكر: والله ما أنت بشاعر ولا ينبغي لك الشِّعر.

فإن قيل: قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
أنا النبيُّ لا كذب    أنا ابن عبد المطلب
وقال صلى الله عليه وسلم:
هل أنتِ إلا [أصبع] دميتِ   وفي سبيل الله ما لقيتِ
قلتُ: الفصيح قد يجري على لسانه كلام موزون ويقع منه ذلك من غير قصد، بل غير الفصيح قد يتفق له ذلك، ولا يعد بذلك قائلاً للشعر، والبيت الثاني أنشده النبي صلى الله عليه وسلم مستشهداً، على أن هذا النوع من الرجز ليس بشعر عند الخليل.

وفي الجملة: قائل البيت والبيتين ليس بشاعر عند العرب، إنما الشاعر عندهم الذي ينفث بالشعر على أقراء مخصوصة وأوزان معلومة.

فإن قيل: لم مُنع عن قول الشعر؟

قلتُ: كما مُنع من الكتابة؛ لئلا يتخذ الكَفَرة ذلك ذريعة إلى الطعن عليه فيما جاء به من النظم البديع، فيقال: إنما تأتي له ذلك بحدة خاطره، وثقابة فطنته، وقوته على نظم القريض، وكذلك منع الكتابة لئلا يقال: نَظَرَ في الكتب القديمة وتسلط بها على إنشاء كتابه، واطلع فيها على الأمور المغيبة عنه.

السابقالتالي
2