قوله تعالى: { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } قال الفراء: يرمي بالنهار عن الليل فيأتي بالظلمة. وذلك أن الأصل [هي] الظلمة، والنهار داخل عليه، فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل، أي: كُشِط وأزيل، فتظهر الظُّلمة، وهو قوله تعالى: { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } أي: داخلون في ظلام الليل. قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } أي: إلى مستقر وحَدّ معلوم ينتهي سيرها إليه، وهو يوم القيامة؛ في قول مقاتل وكثير من المفسرين. وقال ابن السائب: مستقرها أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع إلى أدنى منازلها. وقال قتادة: تجري لوقت واحد لا تعدوه. والصحيح في تفسيرها: ما أخرج في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: " سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } قال: مستقرها تحت العرش ". وقد ذكرت حديث أبي ذر في سورة النحل عند قوله تعالى:{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ } [الرعد: 15، النحل: 49] بأتم من هذا. وقرأتُ على شيخنا أبي البقاء ليعقوب الحضرمي من طريق هبة الله عن زيد عنه: " لمُسْتَقِرٍّ " بكسر القاف. وقرأتُ عليه أيضاً [للكسائي] من طريق الشيزري: " لا مُسْتَقَرَّ لها " على النفي وفتح الراء، وهي قراءة ابن مسعود وعكرمة وعلي بن الحسين. قال الزجاج: معناه: أنها تجري أبداً لا تثبت في مكان. { ذَلِكَ } الجري الذي هو بحسبان تعجز عن إدراكه الأفهام الثاقبة { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الغالب [بقدرته] { ٱلْعَلِيمِ } بما خلقه وقدّره بحكمته. قوله تعالى: { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: " والقمرُ " بالرفع، ونصبه الباقون. فمن رفع فعلى الابتداء، والخبر: " قَدَّرْنَاهُ " ، أو هو معطوف على " الليل " ، على معنى: وآية لهم القمر. ومن نصبه فبفعل يفسره " قدَّرْنَاهُ منازلَ " ، [وفيه] إضمار تقديره: قدرنا مسيره منازل. وهي ثمانية وعشرون منزلاً، ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه، على تقدير معلوم لا تفاوت فيه، ثم يستتر في آخر الشهر ليلتين أو ليلة، - وقد ذكر أسماء هذه المنازل في سورة يونس -. فإذا كان في آخر منزله دَقَّ واستَقْوَس، وعاد كالعرجون القديم، وهو عود العذق الذي فيه الشماريخ. قال الزجاج: وهو [فُعْلُول] من الانعراج، وهو الانْعِطَاف. قال ابن قتيبة: والقديم هاهنا: الذي قد أتى عليه حَوْل. قال غيره: إذا قَدِمَ دقّ وانحنى واصفرّ، فشُبه به من هذه الأوجه. وقال بعض أهل العلم: أقل مدة الموصوف بالقِدَم: الحَوْل، فلو قال: كل مملوك له قديم حُرّ، أو وصى بذلك: عتق من مضى له عنده حَوْل فما زاد. قوله تعالى: { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ... } الآية المعنى: أنهما يتعاقبان بحساب معلوم. قال قتادة: إذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر. { وَكُلٌّ } يعني: الشمس والقمر والنجوم { فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }. قال ابن عباس: يَجْرُون. وقال عكرمة: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة. وقال الزجاج: أي: لكل واحد منهما فَلَكٌ يسبح فيه. والمعنى: يسيرون فيه بانبساط، وكل من انبسط في شيء فقد سَبح فيه، ومن ذلك: السِّباحة في الماء.