الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } * { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَآيَةٌ لَّهُمُ } أي: وعلامة لهم دالة على قدرتنا، { ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ }.

قرأ نافع: " الميّتة " بالتشديد، والباقون بالتخفيف.

قال الزجاج: الأصل: التشديد، والتخفيف أكثر، وكلاهما جائز، " وآيةٌ " مرفوعة بالابتداء وخبرها: " لهم ".

أي: وعلامة لهم تدلهم على التوحيد، وأن الله تعالى يبعث الموتى؛ إحياء الأرض الميتة.

ويجوز أن تكون " آية " مرفوعة بالابتداء، وخبرها: " الأرض الميتة ".

قال الزمخشري: { أَحْيَيْنَاهَا } استئناف بيان؛ لكون الأرض الميتة آية. وتقديم الظرف في قوله: { فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } للدلالة على أن الحَبَّ هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق، ومنه صلاح الإنس، وإذا قلّ جاء القحط ووقع الضرّ، وإذا فُقد حضر الهلاك ونزل البلاء.

قوله تعالى: { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } سبق توجيه اختلاف القراء فيها في سورة الأنعام.

والضمير في " ثَمَرِه " يحتمل وجوهاً:

أحدها: أن يرجع إلى النخيل دون الأعناب؛ كقوله تعالى:وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ } [النساء: 112]، وكقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [التوبة: 34]. وقد قررنا أمثاله فيما مضى.

الثاني: أن يرجع إلى الله تعالى، على معنى: ليأكلوا مما خلقه الله تعالى من الثمر، وما عملته أيديهم من الغرس والسقي والآبار وغير ذلك حتى بلغ منتهاه. يشير إلى أن الثمر في نفسه فعل الله تعالى، وفيه آثار من عمل بني آدم.

وكان الأصل أن يقال: ليأكلوا من ثمرنا؛ لقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا } { وَفَجَّرْنَا } غير أنه رجع إلى الغيبة، على ما تقدم ذكره في غير موضع.

الثالث: أن يراد: ليأكلوا من ثمره المذكور، وهو الجنات، كما قال رؤبة:
فيها خُطوطٌ من بياضٍ وبَلَقْ    كأنه في الجلدِ تَوليعُ البَهَقْ
فقيل له، فقال: أردت: كأن ذلك.

قوله تعالى: { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: " وما عَمِلَتْ " بغير هاء، وقرأ الباقون: " وما عَمِلَتْه ".

قال أبو علي الفارسي: من قرأ " عَمِلَتْه " احتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون بمعنى: الذي.

والآخر: أن تكون نافية، فإذا كانت بمعنى الذي؛ فموضعها جَرّ، عطفاً على " الثمر " ، التقدير: ليأكلوا من ثمره ومن الذي عملته أيديهم.

ومن قرأ " وما عملتْ " فإنه حذفها من الصلة استخفافاً لطول الكلام.

وأكثر ما جاء في التنزيل من هذا على حذف الهاء؛ كقوله تعالى:أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } [الفرقان: 41]،وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } [النمل: 59]، وأَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [القصص: 62، 74]، ولاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ } [هود: 43] وكل هذا على حذف الهاء وإرادتها.

ومن أثبت الهاء في " وما عملتْه أيديهم " فعلى ما قيل ما تستحقه الصلة من الضمير العائد منها إلى الموصول، وقد جاء الإثبات أيضاً في التنزيل في قوله تعالى:

السابقالتالي
2