الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } * { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } أي: على قوم حبيب من بعد قتله { مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } يعني: الملائكة.

قال مجاهد: المعنى: ما أنزلنا عليهم رسالة.

وقال الحسن: الملائكة الذين ينزلون بالوحي.

والذي اعتمده المتأخرون من المفسرين: أن هذا إخبار من الله تعالى، لم يهلكهم بملائكة أنزلهم لإهلاكهم؛ إشعاراً بعظيم قدرته [وشدته] وقوته، وإعلاماً أنه لم يحتج في إهلاك أمة عظيمة ومدينة منيعة إلى أعوان وأنصار، بل أرسل إليهم مَلَكاً من ملائكته وهو جبريل عليه السلام، فأخذ بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون هامدون كالنار إذا طفئت، ومنه قول لبيد:
وما المرءُ إلا كالشهابِ وضوئِهِ    يحورُ رماداً بعد إذ هُوَ سَاطِعُ
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ }؟

قلتُ: قد ذكروا جوابين:

أحدهما: أن المعنى: لم ينتصر منهم بِجندٍ من السماء وما كنا ننزله على الأمم إذا أهلكناهم كالطوفان [والصاعقة] والريح. وهذا الذي اعتمده الواحدي.

وليس بشيء.

الثاني: وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جُنْداً من السماء، وذلك لأن الله عز وجل أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة، ألا ترى إلى قوله تعالى:فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً... } [العنكبوت: 40] الآية، وهذا كلام صاحب الكشاف، وهو الجواب.

ويحتمل عندي أن يكون قوله: { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }؛ إعلاماً بسرعة انتقام الله تعالى منهم، وأنه لم يمهلهم زماناً ينزل عليهم فيه ملائكة الله الذين هم جنوده والموكَّلون بأهل الأرض ينزلون بأرزاقهم ويعرجون بأعمالهم ويحفظونهم بأمر الله تعالى، إلى غير ذلك، { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } مما لا بد للأحياء منه من الرزق والحفظ وغيرهما.

فـ " ما " الثانية على هذا موصولة. ويجوز أن تكون نافية، على معنى: وما كنا فاعلين ذلك وقد فعلوا ما فعلوا.

قوله تعالى: { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } وقرأ أبو جعفر: " صيحةٌ واحدةٌ " بالرفع.

وقال الزجاج: من نصب فالمعنى: ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة.

ومن رفع فالمعنى: ما وقعت عليهم عقوبة إلا صيحة.

قوله تعالى: { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } قال ابن عباس: حلّوا محلّ من يتحسر عليهم.

وقال قتادة: المعنى: يا حسرة العباد على أنفسهم.

وقال الزجاج وغيره من اللغويين وأهل المعاني في معنى نداء الحسرة وما شابهها مما لا يعقل: فيجب المقصود من النداء التنبيه؛ فإذا قلت: يا زيد، فقد نبّهته ثم تحظى به بما تريد، ولو خاطبته من غير نداء لم تبلغ في الفائدة مبلغ الخطاب بعد التنبيه بالنداء، ألا ترى أن قولك: يا عجباً أتفعل كذا، أبلغ من قولك: أنا أعجبُ مما فعلتَ، والمعنى: يا عجباً أقبل، فإنه من أوقاتك، وكذلك

السابقالتالي
2 3