الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }

فإن قلت: ما يريد بقوله تعالى: { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } ، لم جاء " فتثير " على المضارعة دون ما قبله وبعده؟

قلتُ: ليحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح [السحاب]، ويستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع [تمييز] وخصوصية، بحال تستغرب، أو تهمّ المخاطب، أو غير ذلك، كما قال تأبّط شراً:
بأنّي قد لقيتُ الغولَ تَهْوي    بشُهْبٍ كالصحيفةِ صَحْصَحَان
فأضْربها بلا دَهَشٍ فخَرَّت    صريعاً لليدينِ وللجِرَان
قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بزعمه على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها ويطلعهم على كنهها، مشاهدةً للتعجب من جراءته على كل هول، وثباته عند كل شدة. وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها؛ لما [كانا] من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: فَسُقْنَا، وأحْيَيْنا؛ [معدولاً] بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدلّ عليه.

والكاف في قوله تعالى: { كَذَلِكَ } في محل الرفع، أي: مثل إحياء الموات نشور الأموات.

أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله! كيف يحيي الله الموتى؟ قال: أما مررت بوادي قومك مَحلاً ثم مررت به خضراً؟ قلت: بلى. قال: كذلك يحيي الله الموتى، أو قال: { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } ".

قوله تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } قال المفسرون: كان المشركون يعتزون بالأصنام، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله تعالى:وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } [مريم: 81]، وكان المنافقون يتعززون بالمشركين، كما قال تعالى:ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } [النساء: 139]، فبيَّن الله تعالى أن لا عِزّة إلا له جلَّت عظمته ولأوليائه، فقال تعالى:وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8].

ومعنى الآية: من كان يبتغي العزة فليطلبها عند الله، فوضع قوله: " فلله العزة " موضعه، استغناء به عنه لدلالته عليه؛ لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن ربكم يقول كل يوم: أنا العزيز فمن أراد عز الدنيا [فليطع] العزيز ".

ثم إن الله تعالى أعلم عباده أن الذي يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح، فقال تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }.

وقرأ ابن مسعود وأبو عبدالرحمن السلمي والنخعي: " الكلامُ الطيبُ " ، وبها قرأتُ للشيزري عن الكسائي.

والكلم الطيّب: التوحيد والثناء على الله تعالى.

قال علي ابن المديني: " الكلم الطيب ": لا إله إلا الله، " والعمل الصالح ": أداء الفرائض واجتناب المحارم.

السابقالتالي
2 3