قوله تعالى: { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } أي: ما يطلق الله تعالى من نعمة مطر أو رزق أو صحة أو [أمن] أو غير ذلك، أي: لما يمسكه. وقرئ شاذاً: " فلا مرسل لها " ، رجوعاً إلى الرحمة من بعده من النعم التي لا يحاط بعددها. { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ } من ذلك { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ [مِن بَعْدِهِ] } أي: من بعد إمساكه؛ كقوله تعالى:{ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } [الجاثية: 23] أي: من بعد هدايته، { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } القادر على الفتح والإمساك، { ٱلْحَكِيمُ } في فتحه وإمساكه على من يريد. قوله تعالى: { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي: اشكروها بمعرفة حقها وطاعة موليها. والظاهر: أنه خطابٌ لجميع الناس لانغمارهم في نِعَم الله تعالى. وقال ابن عباس وغيره: يريد: يا أهل مكة اذكروا نعمة الله عليكم حيث أسكنكم حرمه وأمنكم، [ومنعكم] من الغارات والناس يتخطفون من حولكم. { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ } وقرأ حمزة والكسائي: " غيرِ الله " بالجر. وقرئ شاذاً: " غيرَ الله " بالنصب. فالرفع والجر على الصفة لفظاً ومحلاً، والنصب على الاستثناء، وقد سبق تعليل ذلك في الأعراف. { يَرْزُقُكُمْ } صفة لـ " خَالِقٍ ". والمعنى: هل من خالق غير الله يرزقكم { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } المطر، { وَ } من { ٱلأَرْضِ } النبات، { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ }. قال الزجاج: من أين يقع الإفك والتكذيب بتوحيد الله وإنكار البعث وأنتم تقرؤون بأن الله خلقكم ورزقكم. ثم عزى نبيه بقوله: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } ، ثم أوعد ووعد بقوله تعالى: { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }. قال صاحب الكشاف: إن قلت: ما وجه صحة جزاء الشرط؟ ومن حق الجزاء أن يتعقب الشرط وهذا سابق له؟ قلتُ: معناه: وإن يكذبوك فتأسَّ بتكذيب الرسل من قبلك، فوضع: " فقد كذبت رسل من قبلك " موضع: فتأسَّ، استغناء بالسبب عن المسبب، أعني: بالتكذيب عن التأسي.