الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } * { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } * { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } * { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ }

قوله تعالى: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } يعني: الكافر والمؤمن.

{ وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } أي: ولا [الضلالات] ولا الهدى.

{ وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } أي: ولا الحق ولا الباطل.

وقال مجاهد والكلبي: الظل: الجنة، والحرور: النار.

وقال الفراء: الحرور بمنزلة السموم، وهي الرياح الحارة، والحرور تكون بالنهار وبالليل، والسموم لا تكون إلا بالنهار.

وقال عطاء: يعني: [الظل بالليل]، والسموم بالنهار.

{ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } يعني: المؤمنين والكافرين.

قال قتادة: هذه أمثال ضربها الله تعالى للكافرين والمؤمنين، يقول: لا تستوي هذه الأشياء، كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن.

ودخول " لا " المقارنة لواو العطف في سياق النفي، يفيد توكيد معنى النفي، فلذلك قال تعالى: { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ * وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ }.

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ } يريد: أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيه، فهو يضلهم ويهديهم بعلمه فيهم، وأما أنت يا محمد فيخفى عليك أمرهم، ولذلك تحرص على هداية من أضلَّه الله، ومثلك في ذلك مثل من يريد أن يسمع المقبورين، فذلك قوله تعالى: { وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ }.

فإن قيل: هلاَّ قيل: " وما أنت بمسمع الموتى "؟

قلتُ: هذا أدخل في المقصود وأوغل في نفي الإسماع؛ لأنه قد انضم إلى كونهم موتى تغييبهم تحت أطباق الثرى، فانتفى الإسماع لانتفاء سببه، وزاده تأكيداً وجود مانعه، بخلاف ميّت موسّد بين أهله، فإنه لقرب العهد بمجاورته والأُنس بمجاورته، يُخيّل إلى مخاطبه أن روح الحياة تتردد فيه مع علمه بوجود منافيه. وهذا المعنى من نفائس الخصائص، ومن الجواهر التي لم يظفر بها قبلي غائص.

قوله تعالى: { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } قوله: " بالحق " حال من أحد الضميرين. يعني: محقاً أو محقين، أو صفة للمصدر، أي: إرسالاً [مصحوباً] بالحق، { بَشِيراً } بالجنة، { وَنَذِيراً } بالنار، { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ } أي: وما من أهل عصر { إِلاَّ خَلاَ فِيهَا } أي: سَلَفَ فيها { نَذِيرٌ }.

وهذا يدل على أنه لا تخلو الأرض من قائم لله بالحجة، فإنه لا يذهب عصرٌ إلا وفيه رسول أو نبي أو رباني يقوم بأعباء النذارة والبشارة، نيابة عن الرسول المبعوث بهما.

فإن قيل: هلاَّ قال: " وإن من أمة إلا خلا فيها بشير ونذير " ليكون عجز الآية مطابقاً لصدرها؟

قلتُ: البشارة والنذارة متلازمان، فذكر أحدهما ذكر لهما.