الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } * { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } منكري البعث، قال بعضهم لبعض: { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { يُنَبِّئُكُمْ } أي: يخبركم أنكم { إِذَا مُزِّقْتُمْ } وأكلتكم الأرض { كُلَّ مُمَزَّقٍ } مصدر في معنى التمزيق.

قال مقاتل: إذا تفرقتم في الأرض وذهبت الجلود والعظام وكنتم تراباً.

وقوله: " إذا " منصوب بفعل مضمر، يدل عليه قوله: { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } تقديره: إذا مزّقتم كل ممزّق بعثتم ولا ينتصب بـ " جديد "؛ لأن ما بعد " إنَّ " لا يعمل فيما قبلها، ولا ينتصب بقوله: " ينبئكم "؛ لأن الأخبار ليس في ذلك الوقت، ومثله:أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [الرعد: 5]، ومثله:أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } [العاديات: 9] إلى قوله تعالى:إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } [العاديات: 11] حملوا هذه الآي على إضمار فعل ينتصب به " إذا " ، ولم يحملوه على ما بعد " إنّ " ، ألا ترى أنك لو قلت: عمراً إنّ زيداً ضارب، لا ينتصب عمراً بضارب.

قوله تعالى: { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } هذا قول منكري البعث، قال بعضهم لبعض على وجه التعجب [والإنكار] لما أخبرهم به من البعث بعد الموت: { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } ، وهذه همزة الاستفهام دخلت على همزة الوصل، وحذفت التي للوصل لوقوع الاستغناء عنها، وإنما لم تسقط في قوله: " السحر " لخوف الالتباس، لكون همزة الخبر مفتوحة كهمزة الاستفهام، و " أَمْ " معادلة لهمزة [الاستفهام].

فردَّ الله عليهم فقال: { بَلِ } أي: ليس الأمر على ما قالوه من الافتراء أو الجنون، { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ } يعني: في الآخرة { وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } عن الهدى في الدنيا.

وقال السدي: " الضلال البعيد ": هو الشقاء الطويل.

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } استفهام في معنى التقرير لهم بإحاطة السماء والأرض بهم حيث نظروا وتوجهوا. ومقصود ذلك: [تذكيرهم] بقدرة الله تعالى عليهم وتخويفهم من سطوته وبطشته، ألا تراه يقول: { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ }. وهذا المعنى قول قتادة وجمهور المفسرين. لكن لي فيه حسن السفارة [بإيضاح] المعنى في أحسن صورة.

وقال أبو صالح: المعنى: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم ممن أهلكهم الله من الأمم في أرضه، وما خلفهم من أمر الآخرة في سمائه.

{ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ } التي تحتهم كما خسفنا بقارون { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } التي هي فوقهم.

قرأ الأكثرون: " نخسِفْ " " ونُسْقِط " بالنون فيهما، حملاً على قوله:وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } [سبأ: 10]. وقرأهما حمزة والكسائي بالياء، رداً على قوله: { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً }.

السابقالتالي
2