قوله تعالى: { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } وقرئ شاذاً: " لَيَأْتِيَنَّكُمْ " بالياء. قال ابن جني: جاز التذكير؛ لأن [المخوف] منها إنما هو عقابها، وعليه قولهم: ذهبَتْ بعض أصابعه؛ لأن بعض أصابعه إصبع في المعنى. وحكى الأصمعي عن أبي عمرو قال: سمعت رجلاً من اليمن يقول: فلانٌ لَغُوبٌ، جَاءَتْهُ كتابي فاحتقرها، فقلت له: أتقول: جاءته كتابي؟ فقال: نعم، أليس [بصحيفة]. وهذا من أعرابيّ جافٍ هو الذي نبّه أصحابنا على انتزاع [العلل]، وكذلك ما يجري مجراه، فاعرفه. قوله تعالى: { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ } قرأ نافع وابن عامر: " عالمُ " بالرفع على معنى: هو عالم، أو على الابتداء، والخبر: { لاَ يَعْزُبُ }. وقرأ الباقون بالجر، نعتاً للرب الله، إلا أن حمزة والكسائي قرءا: [عَلاّم] بالتشديد، على وزن [فعّال]. وقرأ ابن السميفع والأعمش: " ولا أصغرَ " " ولا أكبرَ " بالفتح، على نفي الجنس؛ كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله. قوله تعالى: { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } اللام متعلقة بقوله تعالى: { لَتَأْتِيَنَّكُمْ }. وقال ابن جرير: المعنى: أثبت مثقال الذرة وأصغر منه ليجزي. قوله تعالى: { مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } قرأ ابن كثير وحفص: " أليمٌ " بالرفع، هاهنا وفي الجاثية. وقرأ الباقون بالجر. قال أبو علي: من قرأ بالجر جعله صفة للرجز، ومن قرأ بالرفع جعله صفة للعذاب، أي: لهم عذاب أليم من رجز، والجر في " أليم " أبين؛ لأن الرجز العذاب. فالمعنى: لهم عذاب من عذاب أليم، فإذا وصف العذاب الثاني بأليم، كان العذاب الأول أليماً، وإذا أجريت الأليم على العذاب الأول كان المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب، فالأول أكثر فائدة. قوله تعالى: { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، في قول قتادة. [ومؤمنوا] أهل الكتاب؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه، في قول مجاهد. قال الزجاج وغيره: موضع " يرى " نصب عُطِفَ على قوله: " ليجزي " ، و " الحق " مفعول ثان لـ " يرى " ، وهو هاهنا فَصْل، ويسميه الكوفيون: العِمَاد. فإن قيل: ما فائدة الفَصْل؟ قلت: شيئان: أحدهما: التفصلة بين الخبر والصفة. والثاني: التأكيد، في نحو قولك: زيد هو المنطلق، أي: لا منطلق إلا هو. ويجوز أن يكون قوله: { وَيَرَى } كلاماً مستأنفاً خارجاً مخرج الثناء على الذين أوتوا العلم، والذم لمن لم يكن على مثل ما هم عليه من العلم والإيمان. { وَيَهْدِيۤ } يعني: القرآن { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } وهو دين الإسلام.