الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } * { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ }

قوله تعالى: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } هذا كقول القائل: ما لي في هذا فقد وهبتكه، يريد: ليس لي فيه شيء.

فالمعنى هاهنا: ما سألتكم عليّ بتبليغ الرسالة من أجر.

{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ } قال مقاتل: يتكلم بالحق، وهو القرآن والوحي.

يريد: أنه يلقيه وينزله على أنبيائه، أو يرمي به الباطل فيدمغه.

{ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } قال الزجاج: الرفع في " عَلاَّم " صفة على موضع " إن ربي "؛ لأن تأويله: قل ربي علام الغيوب يقذف بالحق، و " إنَّ " مؤكدة. ويجوز الرفع على البدل مما في " يقذف ".

المعنى: قل إن ربي يقذف هو بالحق علام الغيوب.

وقال غيره: يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف.

وقرأ أبو رجاء: " عَلاَّمَ " بالنصب، صفة لـ " ربي ".

وقرئ: " الغيوب " بالحركات الثلاث على الغين، وقد ذكرنا هذا الأصل في سورة البقرة، وأن الضم هو الأجود، والكسر لا بأس به من أجل الياء، فإن الكسر أشد موافقة للياء من الضمة. وأما فتح الغين فشاذّ، وهو الأمر الذي خفي وغاب جداً.

{ قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ } القرآن ودين الإسلام، { وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }.

قال الزجاج: " ما " في موضع نصب، على معنى: وأيّ شيء يُبدئ الباطل وأيّ شيء يعيد. والأجود أن يكون " ما " نفياً [على معنى: ما يبدئ الباطل وما يعيد]، و " الباطل " هاهنا: إبليس. والمعنى: وما يبدئ إبليس وما يعيد، أي: وما يبعث ولا يخلق.

قلت: وهذا معنى قول قتادة.

وقال الضحاك: الباطل هاهنا: الأصنام لا تبدئ خلقاً ولا تحيي.

وقيل: الباطل هو الذي يضاد الحق. فالمعنى: ذهب الباطل بمجيء الحق ولم يبق منه بقية يبدي بها أو يعيد.

قال الزمخشري: الحي إما أن يبدئ فعلاً أو يعيده، فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة، فجعلوا قولهم: لا يبدئ ولا يعيد مثلاً في الهلاك، ومنه قول عبيد:
أقْفَرَ منْ أهْلِهِ عَبيدُ    [فاليومَ] لا يُبدي ولا يُعيد
والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل؛ كقوله تعالى:وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [الإسراء: 81].

أخبرنا أبو القاسم السلمي وأبو الحسن علي بن أبي بكر البغداديان، أخبرنا عبد الأول، أخبرنا عبدالرحمن، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله رضي الله عنه قال: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نُصُب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " هذا حديث متفق على صحته. وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة.

والنُّصُب: الصنم المنصوب للعبادة، ومنه قوله تعالى:وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [المائدة: 3].

{ قُلْ إِن ضَلَلْتُ } كما تزعمون يا كفار قريش، فإنهم كانوا يقولون له: ضللت بترك دين آبائك.

{ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } من الحكمة والبيان، { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } ما تقولون وأقول.