الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }

قوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } أي: إنما آمركم وأوصيكم بخصلة واحدة، ثم فَسَّرها بقوله تعالى: { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ } وليس المراد به المثول على الأقدام، وإنما المراد به: الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمم.

والمعنى: أن تقوموا لوجه الله خالصاً متفرقين.

{ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } اثنين اثنين وواحداً واحداً، { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، ويعرض كل واحد منكم محصول ما أداه فكره إليه على شريطة المناصعة وعزل الهوى، أو يراجع رشده إذا خلا بنفسه وأمعن النظر، فإنكم إن فعلتم ذلك هجم بكم الفكر الصالح على النظر الصحيح وأصبتم طريق الحق.

فإن قيل: لم أمرهم بالقيام مثنى وفُرادى فقط؟

قلت: لغرض صحيح نعرفه عن استعداء العادات، وهو أن الجموع الوافرة والعصب المتكاثرة يوجب اضطراب آرائها واختلاف أهوائها اختلاط القول وتوقد ثائرة التعصب، وهذا أمر لا يجامعه الإنصاف غالباً وظاهراً.

وفي قوله تعالى: { مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ } إشعار بأن هذا الأمر العظيم الذي ينتظم في سلك المبعوث به سياسة الملك ورئاسة الدين، لا يتصدى لادعاء مثله إلا أحد رجلين؛ مجنون لا يبالي عند ظهور عجزه عن إثبات صحة ما ادعاه بالافتضاح، أو عاقل مؤيد بالعجز [مصطفىً] للنبوة، وإلا فما يحمل العاقل على مثل هذه الدعوى التي يبقى صاحبها بعرضة السخرية والاستهزاء إذا لم يثبت، وقد علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما به من جِنَّة، بل علمتموه أرزن قريش حلماً، وأغزرهم مروءة، وآصلهم رأياً، وأصدقهم لساناً، وأجمعهم لمكارم الأخلاق.

{ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ } أي: ما هو إلا مخوف لكم { بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } يشير إلى قرب الساعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار إلى أصبعيه السبابة والوسطى ".

قال صاحب الكشاف: إن قلت: " ما بصاحبكم " بم يتعلق؟

قلتُ: يجوز أن يكون كلاماً مستأنفاً تنبيهاً من الله عز وجل على طريقة النظر في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجوز أن يكون المعنى: ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة. وقد جَوَّز بعضهم أن تكون " ما " استفهامية.