{ وَلَقَدْ صَدَّقَ } وقرأ أهل الكوفة: " صدّق " بتشديد الدال. قال أبو علي: من قرأ بالتخفيف فمعناه: أنه صَدَقَ ظَنُّهُ الذي ظَنَّهُ بهم من متابعتهم إياه إذا أغواهم، وذلك نحو قوله:{ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16]،{ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 39] فهذا ظنُّه الذي [صدَّقوه]؛ لأنه لم يقل ذلك على تيقن وإنما ظن ظناً، فكان كما ظن، فـ«ظنّه» على هذا ينتصب انتصاب المفعول به، ويجوز أن ينتصب انتصاب الظرف، أي: صَدَقَ عليهم إبليس في ظنه، ولا يكون على هذا متعدياً [بـ " صَدَق " ] إلى مفعول به، وقد يقال: أصابَ الظنُّ، وأخطأ الظن. ومن قال: " صَدَّقَ " بالتشديد، فإنه ينصب الظن على أنه مفعول به، وعَدَّى " صَدَّقَ " إليه. قال الشاعر:
فإن لم أُصَدِّقْ ظنّكم بتيقُّن
فلا سَقَتِ الأوصَالَ مِنِّي الرَّواعِد
وقال غيره في قراءة من خفَّف: هو متعد؛ كقولك: صدقت فلاناً في الحديث. قال الأعشى:
فَصَدَقْتُهُ وكذبْتُه
والمرءُ ينفعُهُ كِذَابُه
وقال الزجاج: من خفَّف نصب الظن مصدراً، على معنى: صَدَقَ عليهم [ظناً] ظنه، وصدق في ظنه. وقرأ الزهري: " صَدَقَ " مخففة، " إبليسَ " نصب، " ظَنُّهُ " رفع. قال أبو الفتح ابن جني: معناه: أن إبليس سَوَّلَ له ظنه شيئاً [فيهم] [فصدقه] ظَنُّه. والضمير في " عليهم " وفي " فاتبعوه ": لأهل سبأ، أو لبني آدم. { إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [قال] ابن عباس: يعني: المؤمنين كلهم، وهم الذين قال الله:{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الحجر: 42]. { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي: من تسلط واستيلاء بالوسوسة [والاستغواء]، { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } مفسّرٌ في أول العنكبوت. وقرأ الزهري: " ليُعْلَمَ " بياء مضمومة؛ على البناء للمفعول.