الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } * { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ }

قوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } قد ذكرنا سبأ في سورة النمل.

وقد أخرج الترمذي بإسناده عن فروة بن مسيك المرادي قال: " قال رجل: يا رسول الله! وما سبأ، أرض أو امرأة؟ فقال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل وَلَدَ عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة. فأما الذين تشاءموا: فلخم، وجذام، وغسان، وعاملة. وأما الذين تيامنوا: فالأزد، [والأشعريون]، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار. فقال رجل: وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة ".

والمراد هاهنا بسبأ: القبيلة، الذين هم من أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر: " مسكنِهِم " على التوحيد، إلا أن الكسائي يكسر الكاف، وقرأ الباقون: " مساكنهم " على الجمع.

قال أبو علي: من جمع أتى باللفظ وفقاً للمعنى؛ لأن لكل ساكن مسكناً، والمساكن: جمع مسْكَن؛ الذي هو اسمٌ للموضع من سكن يسكن. وقرئ: " في مسكنهم " على الإفراد والكاف مفتوحة، فيشبه أن يكون جعل المسكن مصدراً، وحذف المضاف، والتقدير: في مواضع مسكنهم، أي: في مواضع سكناهم؛ لما جعل المسكن كالسكنى والسكون أفرد، كما تُفْرَد المصادر، وهذا أشبه من أن تحمله على نحو قوله:
كُلوا في نصف بطنكم تَعيشُوا    ........................
ونحو ذلك مما لا يكاد يجيء إلا في الشعر.

ومن قال: " في مسْكَنِهِم " على الإفراد أيضاً والكاف مكسورة، فإن فتح الكاف أشبه؛ لأن اسم المكان من فَعَلَ يَفْعُلُ على مَفْعَل، مفتوح العين، وكذلك المصدر منه، وقد يشذُّ عن القياس المطَّرد نحو هذا، كما جاء المسجد والمطْلِع، من [طلع] يطْلُع، إلى حروف أخر، فيكون المسْكَن كذلك.

والمعنى: لقد كان لسبأ في مساكنهم علامة دالة لهم على قدرة الله تعالى وأنه هو المنعم عليهم.

و " جنتان " بدل من " آية " ، أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: الآية جنتان.

قال الزمخشري: وفي الرفع معنى المدح، تدل عليه قراءة من قرأ: " جَنَّتَيْن " بالنصب.

قال: ولم يجعل الجنتين في أنفسهما آية، وإنما جعل قصتهما، وأن [أهلهما] أعرضوا عن شكر الله عليهما فخرّبهما، [وأبدلهم] عنهما الخمط والأثل، آية وعبرة لهم، ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط النعم.

فإن قلت: كيف عظم الله جنتي أهل سبأ وجعلهما آية، ورُبَّ قرية من قريات العراق يحتفّ بها من الجنات ما شئت؟

قلت: لم يرد بستانين اثنين فحسب، وإنما أراد جماعتين من البساتين: جماعة عن يمين بلدهم، وأخرى عن شمالها، وكل واحدة من الجماعتين في [تقاربها] وتضامها كأنها جنّة واحدة، كما تكون بلاد الريف العامرة [وبساتينها]، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله، كما قال:

السابقالتالي
2 3