الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ... } الآية قال أهل التفسير: كانت الإنس في زمن سليمان تزعم أن الجن تعلم الغيب، فلما مات سليمان مكث قائماً على عصاه حولاً ميتاً، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانت تعملها في حياة سليمان وهم لا يشعرون بموته، حتى أكلت دابة الأرض - وهي الأَرَضَة - [عصا سليمان، فخرَّ ميتاً، فعلموا بموته، وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب].

وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء والجحدري: " دابة الأَرَض " بفتح الراء، جمع أَرَضة.

{ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } أي: عصاه.

قرأ أبو عمرو ونافع: " منسَاتَه " بألف من غير همز. وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة، وابن ذكوان يسكن الهمزة.

قال الزجاج: المِنْسَأة: العصا ينسأ بها، أي: يطرد [ويزجر].

قال المبرد: بعض العرب يبدل من همزتها ألفاً، وأنشد:
إذا دَبَبْتَ على المنساةِ منْ كِبَرٍ    فقدْ تباعدَ عنكَ اللهوُ والغزل
قال مكي: من همز أتى به على الأصل. وقد حكى سيبويه في تصغير المنسأة: مُنَيْسِئَة، بالهمز، قال: يردّها إلى أصلها، ولا يجعل البدل فيها لازماً، وقد قالوا في جمعها: «مناسيء» بالهمز؛ لأن التصغير والجمع يردّ الأشياء إلى أصولها في أكثر الكلام.

وأما من أسكن الهمزة فهو بعيد في الجواز، إنما يجوز الإسكان للاستثقال لطول الكلمة.

{ فَلَمَّا خَرَّ } سقط ميتاً { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } وقرأتُ ليعقوب الحضرمي من رواية رويس: " تُبُيِنت " بضم التاء والباء وكسر الياء، على ما لم يسم فاعله.

قال أكثر المفسرين: ظهرت وانكشفت للناس وبان جهلها وأنها لا تعلم الغيب.

قال صاحب كشف المشكلات: التقدير: فلما خَرَّ تبيَّن أمر الجن، فحذف المضاف.

وقوله تعالى: { أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } بدل من أمر الجن، وتبين لازم هاهنا.

وقال الماوردي: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: تبينت الجن أن الشياطين - وهم كانوا المسخرين في العمل - لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [سنة].

الثاني: ما روى سفيان عن عمر وعن ابن عباس أنه كان يقرأ في التلاوة: " فلما خَرَّ تبيّنت الإنسُ أن الجنَّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين سَنَة ".

الثالث: أن الجن دخلت عليهم شبهة توهموا بها أنهم يعلمون الغيب، فلما خرّ تبينوا أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

قال الماوردي: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن سليمان وقف في محرابه فصلى متوكئاً على عصاه فمات، وبقي على حاله قائماً على عصاه سنة، والجن لا تعلم بموته، وقد كان سأل الله تعالى أن لا يعلموا بموته حتى تمضي عليه سنة.

واختلفوا في سبب سؤال ذلك على قولين:

أحدهما: أن الجن كانوا يذكرون للإنس أنهم يعلمون الغيب، فسأل الله تعالى ذلك ليعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، وهذا قول مأثور.

الثاني: أن داود عليه السلام كان قد أسس بناء بيت المقدس ثم مات، فبناه سليمان صلى الله عليه بعده، وسخّر الجن في عمله، وكان قد بقي من إتمامه بعد موته بناء سنة، فسأل الله تعالى أن لا تَعلم الجن بموته حتى يتمّوا البناء، [فأتمّوه].