الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ }

ثم ذكر سليمان وما اختصه به من الكرامة فقال: { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ } قال الفراء: نصب " الريحَ " على " وسخرنا ".

وقرأ أبو بكر عن عاصم: " الريحُ " بالرفع.

وقرأ أبو جعفر: " الرياحُ " بالرفع أيضاً والجمع.

قال أبو علي: من رفع فوجهه: أن الريح إذا سُخِّرت لسليمان، جاز أن يقال: له الريحُ، على معنى: له تسخير الريح، فالرفع على هذا يؤول إلى معنى النصب.

{ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } قال قتادة: تسير مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار، فهي تسير في اليوم مسيرة شهرين.

قال الحسن: كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ويروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للمسرع.

{ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } أذبنا له عين النحاس.

قال المفسرون: أجريت له عين الصُّفْر ثلاثة أيام ولياليهن كجري الماء، وإنما يعمل الناس اليوم بما أعطي سليمان. والقِطْر: النحاس المذاب.

قال قتادة: هي عين بأرض اليمن.

{ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } قال ابن عباس: سخرهم الله تعالى لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به.

{ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ } يعدل منهم { عَنْ أَمْرِنَا } بطاعة سليمان { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }.

قال ابن عباس: كان معه مَلَكٌ بيده سوط من نار، كل من استعصى عليه ضربه من حيث لا يراه الجني.

وقيل: المعنى: ومن يزغ منهم عن طاعتنا وعبادتنا نذقه في الآخرة من عذاب النار.

قال الماوردي: وفي قوله: { وَمِنَ ٱلْجِنِّ } دليلٌ على أن فيهم غير مسخر.

قوله تعالى: { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ } وهي الأبنية الرفيعة والقصور. وقد ذكرنا المحراب في سورة آل عمران.

قال المفسرون: بنوا له الأبنية العجيبة باليمن؛ صِرْوَاح، ومرواح، وبينون، وهندة، وهنيدة، وقلثوم، وغُمْدان، وهذه حصون باليمن عملتها الشياطين.

وقال الحسن وقتادة: عملوا له آلة المساجد.

{ وَتَمَاثِيلَ } جمع تمثال، وهو كل شيء مثلته بشيء، يعني: صوراً من نحاس وزجاج ورخام كانت الجن [تعملها]، قالوا: وهي صور الأنبياء والملائكة كانت تصوّر في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة.

وقال الضحاك: طواويس وعقباناً ونسوراً تكون على كرسيه ودرجات سريره لكي يهابه من شاهده.

قال الحسن: لم تكن يومئذ محرمة.

{ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } الجِفَان: القِصَاع، والجَوَاب: الحياض الكبار، سميت بذلك؛ [لأن] الماء يجبى فيها، أي: يجمع. قال المفسرون: كان يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل، يأكلون منها.

{ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } ثابتات لها قوائم لا تحرك عن أماكنها لعظمها.

قال ابن جريج: [ذكر لنا] أن تلك القدور باليمن [أبقاها] الله تعالى آية وعبرة.

{ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } حكاية ما قيل لآل داود. [وانتصب " شكراً " على أنه] مفعول لأجله، أو حال؛ أي: شاكرين، أو على معنى: اشكروا شكراً؛ لأن " اعملوا " فيه معنى: اشكروا، من حيث أن العمل للمنعم شُكر له.

السابقالتالي
2