الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } وهو ما أعطي من النبوة والزبور والملك في الدنيا، { يٰجِبَالُ } أي: وقلنا إظهاراً لشرفه ومنزلته وكرامته علينا: يا جبال { أَوِّبِي مَعَهُ } رجِّعي معه التسبيح، وكان داود إذا سبَّح سبَّحت الجبال معه.

وقرأتُ لأبي عمرو من رواية [عبد الوارث عنه: أُوْبي]، بضم الهمزة وتخفيف الواو وتسكينها، من الأوْب، وهو في معنى: أوّبي.

قرأ الأكثرون: { وَٱلطَّيْرَ } بالنصب، عطفاً على موضع «الجبال»، كقوله:
ألا يا زيد والضحاكَ سِيَرا     ....................
قال الزجاج: كل منادى - عند البصريين كلهم - في موضع نصب.

ويجوز أن يكون منصوباً على معنى: " مع " ، كما تقول: قمت وزيداً، أي: مع زيد.

وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى عن أبي عمرو ابن العلاء: أنه منصوب على معنى: وسخرنا له الطير، فيكون عطفاً على " فَضْلاً ".

وقرأتُ لأبي عمرو من رواية عبدالوارث عنه وليعقوب من رواية زيد عنه: " والطيرُ " بالرفع، عطفاً على " جبال " ، أي: يا جبال ويا أيها الطير أوبي معه.

{ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } كان إذا أخذه صار في يده كالعجين والطين والشمع، يتصرف فيه كيف شاء من غير نار ولا ضرب مطرقة، وإنما أتته القدرة الإلهية مع قطع النظر إلى الأسباب.

وقيل: لاَنَ له في يده ما أُتي من شدة القوة أن يعمل سابغات.

قال الزجاج: " أن اعمل " في تأويل التفسير، كأنه قيل: وألنّا له الحديد { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ }.

والمعنى: اعمل دروعاً كوامل يجرّها لابسها على الأرض.

قال قتادة: وكان أول من عملها، وإنما كانت قبله صفائح.

{ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } السَّرْد: نسج الدروع، ومنه قيل لصانعها: سَرَّاد وزرَّاد، على إبدال السين زاياً. والمعنى: اجعله على القصد وقدر الحاجة.

قال ابن عباس وعامة المفسرين واللغويين في معناه: لا [تدقق] المسامير فتفلق، ولا غلاظاً فتفصم الحلق.

والفَصْم - بالفاء -: الكسر من غير إبانة، وبالقاف: الكسر مع الإبانة، تقول: فصم وما قصم. قال الله تعالى:لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } [البقرة: 256]، وقال الله تعالى:وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } [الأنبياء: 11] لما كان موضع استئصال.

{ واعملوا صالحاً } خطاباً لداود وأهله.

قال ابن عباس وغيره: اشكروا الله تعالى بما هو أهله.