الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ }

قوله تعالى: { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } قال ابن عباس: يعني: يوم الأحزاب، حين أنعم عليهم بالصبر ثم بالنصر.

{ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ } وهم الأحزاب الذين تحزبوا وتجمعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغطفان وبني قريظة أيام الخندق، وعليهم أبو سفيان بن حرب.

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً } قال مجاهد: هي الصبا، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم.

قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نُصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور ".

{ وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } وقرأ النخعي وابن السميفع: " يَرَوْها " بالياء، وهم الملائكة عليهم السلام.

وفيما صنعوا أربعة أقوال؛ حكاها الماوردي وغيره:

أحدها: أنهم فرقوا كلمة المشركين وأقعدوا بعضهم عن بعض.

والثاني: أنهم أوقعوا الرعب في قلوبهم. حكاه ابن شجرة.

الثالث: أنهم قووا قلوب المسلمين من غير أن يقاتلوا معهم.

الرابع: أنهم قلعوا الأوتاد، وقطعوا الأطناب، وأطفؤوا النيران، وكبّروا في جوانب العسكر، فقال طلحة بن خويلد الأسدي: أما محمد فقد سحركم فالنجاء النجاء، فانهزموا من غير قتال.

قال العلماء بالتفسير والسير: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بإقبالهم أمر بحفر الخندق، وكان ذلك من رأي سلمان الفارسي رضي الله عنه، ثم خرج في ثلاثة آلاف فضرب بعسكره الخندق بينه وبين المشركين، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام، واشتد الخوف، وظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق من المنافقين، حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر ونحن لا نقدر نذهب إلى الغائط. وكانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش وبني كنانة وأهل تهامة، وقائدهم أبو سفيان، وغطفان ومن تابعهم من أهل نجد في ألف، وقائدهم عيينة بن حصن، وعامر بن الطفيل في هوازن، وضامتهم قريظة والنضير، ومكثوا نحواً من شهر، ولم يجر بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة.

وفي الحديث: " أن شاباً قال لحذيفة بن اليمان: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إي والله لقد رأيته، قال: والله لو رأيناه لحملناه على رقابنا وما تركناه يمشي على الأرض، فقال له حذيفة: يا ابن أخي، أفلا أحدثك عني وعنه؟ قال: بلى، قال: والله لو رأيتنا يوم الخندق وبنا من الجهد والجوع والخوف ما لا يعلمه إلا الله، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ما شاء الله من الليل، فقال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنة، فوالله ما قام منا أحد مما بنا من الخوف والجهد والجوع والبرد، ثم صلى ما شاء الله، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنة، قال حذيفة: فوالله ما قام منا أحد مما بنا من الجهد والخوف والجوع والبرد، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله رفيقي في الجنة، فوالله ما قام منا أحد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا حذيفة، فلم أجد بداً من إجابته، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: اذهب فجئني بخبر القوم، ولا تحدثن شيئاً حتى ترجع، قال: فأتيت القوم وكأني أمشي في حَمّام، فإذا ريح الله وجنوده تفعل بهم ما تفعل، لا يستمسك لهم بناء ولا تثبت لهم نار، ولا تطمئن لهم قدر، فإني لكذلك إذ خرج أبو سفيان من رحله ثم قال: يا معاشر قريش لينظر أحدكم مَنْ جليسه، قال حذيفة: فبدأت بالذي إلى جنبي فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان، قال: ثم دعا أبو سفيان براحلته، فقال: يا معاشر قريش! والله ما أنتم بدار مقام، لقد هلك الخف والحافر، وأخلفتنا بنو قريظة، وهذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء، ولا تثبت لنا نار، ولا تطمئن قدر، ثم عجل وركب راحلته وإنها لمعقولة ما حلّ عقالها إلا بعدما ركبها، قال: فقلت في نفسي: لو رميت عدو الله فقتلته كنت قد صنعت شيئاً، فوترت قوسي ثم وضعت السهم في كبد القوس وأنا أريد أن أرميه فأقتله، فذكرتُ قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحدثن شيئاً حتى ترجع، قال: فحططت القوس ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأني أمشي في حَمّام، فأتيته وهو يصلي، فلما سمع وجسي فرج بين رجليه فدخلت تحته وأرسل عليّ طائفة من مَرْطه، فركع وسجد، ثم قال: ما الخبر؟ فأخبرته، فضحك حتى بدت ثناياه في سواد الليل ".


السابقالتالي
2 3