الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ } قال ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين: الأمانة: هي الفرائض والأحكام التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب.

ويدخل في هذا القول: جميع ما ذكره المفسرون من أنواع الأمانات.

قال الحسن: عرضت الأمانة على السموات السبع الطباق التي زينت بالنجوم وحملة العرش العظيم، فقيل لهن: أتأخذن الأمانة بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قيل: إن [أحسنتن جزيتن]، وإن أسأتن عوقبتن؟ قلن: لا، ثم عرضت على الأرضين السبع اللاتي شدت بالأوتاد وذللت للمهاد وأسكنت العباد، فقيل لهن: أتأخذن الأمانة بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتن جزيتن، وإن أسأتن عوقبتن؟ قلن: لا، ثم عرضت على الجبال الشوامخ البواذخ الصلاب الصعاب، فقيل لهن: أتأخذن الأمانة بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتن جزيتن، وإن أسأتن عوقبتن؟ قلن: لا، فذلك قوله: { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا }.

وقال ابن جريج: قالت السماء: يا رب خلقتني وجعلتني سقفاً محفوظاً، وأجريت فيّ الشمس والقمر والنجوم، لا أتحمل فريضة ولا أبتغي ثواباً ولا عقاباً.

وروى السدي عن أشياخه: أن آدم عليه السلام لما أراد الحج قال للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فَأَبَتْ، وقال للأرض فَأَبَتْ، وقال للجبال فَأَبَتْ، وقال لقابيل فقال: نعم تذهب وتجيء وتجد ولدك كما يسرّك، فلما انطلق آدم قتل قابيل هابيل، فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه، فذلك حيث يقول: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ... } الآية.

قال جمهور المفسرين: ركب الله تعالى العقل في هذه الأعيان وأفهمهنَّ خطابه وأنطقهنّ بالجواب.

وقال الحسن: المراد: عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض وأهل الجبال من الملائكة ولم يكن إباؤهن مخالفة، وإنما كان خشية من خوف الخيانة؛ لأن العرض كان على وجه التخيير لا على وجه الإلزام، وهو قوله تعالى: { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } ، أي: خِفْنَ من حملها العقاب بتقدير ترك الأداء.

{ وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } قال ابن عباس: يريد: آدم، عرض الله تعالى عليه أداء الفرائض، الصلوات الخمس في مواقيتها، وأداء الزكاة عند محلها، وصيام رمضان، وحج البيت على أن له الثواب وعليه العقاب، فقال آدم: بين أذني وعاتقي.

قال مقاتل بن حيان: قال الله تعالى لآدم: أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ قال آدم: وما لي عندك؟ قال: إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانة فلك الكرامة وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت وأسأت فإني معذبك ومعاقبك، قال: قد رضيت رب وتحملتها، فقال: قد حملتكها، فذلك قوله تعالى: { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }.

قال مجاهد: ما كان بين أن يحملها وبين أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر إلى العصر.

وقال الزجاج: حقيقة هذه الآية - والله تعالى أعلم وهو موافق للتفسير -: أن ائتمان بني آدم على ما افترضه عليهم، وائتمان السموات والأرض والجبال؛ لقوله تعالى:

السابقالتالي
2