الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } قال ابن عباس: كان المنافقون يقولون: إن لمحمد قلبين، قلباً مع أصحابه وقلباً معنا، فنزلت هذه الآية.

وقال السدي وكثير من المفسرين: نزلت في جميل بن معمر الفهري، وكان وقاداً ظريفاً لبيباً حافظاً لما يسمع، وكان يقول: إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فكانت قريش تسميه ذا القلبين، فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم جميل بن معمر، فتلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده وأخرى في رجله، فقال: يا معمر: ما حال الناس؟ قال: انهزموا. قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال: ما شعرت إلا [أنهما] في رجلي، فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.

وقال الزجاج: أكثر ما جاء في التفسير: أن عبدالله بن خطل كانت تسميه قريش: ذا القلبين.

وروي أنه كان يقول: إن لي قلبين أفهمُ بكل واحد منهما أكثر ما يَفهم محمداً، فأكذبه الله تعالى فقال: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }.

ثم قَرَنَ هذا الكلام ما يقوله المشركون وغيرهم مما لا حقيقة له فقال تعالى: { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } فأعلم الله تعالى أن الزوجة لا تكون أمّاً، وكانت الجاهلية تُطَلِّقُ بهذا الكلام، فأنزل الله تعالى كفارة الظّهار في سورة المجادلة.

ومعنى الكلام: وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن كأمهاتكم في التحريم. وسيأتي إن شاء الله تعالى حكم الظِّهار وأحكامه في سورة المجادلة.

واختلف القُرّاء في قوله تعالى: { ٱللاَّئِي }؛ فقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بتحقيق الهمزة وياء ساكنة بعدها، وكذلك قالون وقنبل إلا أنهما اجتزءا بالكسرة عن الياء. وقرأ أبو عمرو والبزي ووَرْش بتخفيف الهمزة من غير ياء بعدها.

قال أبو علي: القياس أن تُجْعَل بين بين.

وقال بعض أصحاب ابن مجاهد: كان ابن كثير وأبو عمرو يقرآن بتخفيف الهمزة فتصير ياء ساكنة، وزعم أنه كذلك ضبط، وكذلك اختلافهم في التي في المجادلة والطلاق.

قال أبو علي: من قرأ بإثبات الياء فهو القياس؛ لأن اللائي وزنه: فَاعِل، مثل: شائي.

ومن حذف الياء فقال مكي: اجتزأ بالكسرة عنها؛ كالقاض والغاز. والذين أسكنوا الياء [خفَّفُوا] الهمزة على البدل، فأبدلوا منها ياء مكسورة، وأسكنوا الياء تخفيفاً. ومن كسر الياء أتى بها على أصل البدل.

وقرأ عاصم: " تُظاهِرون " بضم التاء والتخفيف مع الألف وكسر الهاء. وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء والهاء وتخفيف الظاء مع الألف، ومثلهما قرأ ابن عامر، إلا أنه شدد الظاء. وقرأ الباقون بتشديد الظاء والهاء من غير ألف.

السابقالتالي
2