الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } * { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }

ثم أظهر فضيلتهن على سائر النساء فقال تعالى: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ }. قال الزجاج: لم يقل: كواحدة من النساء؛ لأن " أحداً " نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة.

قال ابن عباس: ليس قدركنّ عندي مثل قدر غيركنّ من النساء الصالحات، أنتنّ أكرم عليّ وأنا بكنّ أرحم وثوابكنّ أعظم إن [اتقيتنّ] الله. وشرط عليهن التقوى؛ بياناً أن فضلهنّ إنما يكون بالتقوى لا بمجرد اتصالهنّ بالرسول صلى الله عليه وسلم.

واختلفوا في جواب هذا الشرط؛ فقال قوم: جوابه مدلول قوله تعالى: { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ }.

وقال أبو علي: جوابه " فلا تخضعن "؛ لأن ليس عنده حرف وليس بفعل.

ومعنى قوله: { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ }: لا تليننّ ولا ترققن بالقول.

وقال ابن السائب: هو الكلام الذي فيه ما يهوى المريب.

وقال الحسن: [لا تتكلمن] بالرفث.

{ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي: زناً وفجور، والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة؛ لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة.

قرأ الأعرج وأبان بن عثمان: " فيطمَعِ الذي " بكسر العين، عطفاً على " فلا تخضعن " ، ويكون النهي شاملاً لهما.

{ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } وهو ما يوجبه الدين والإسلام بغير خضوع مطمع. قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } قرأ نافع وعاصم: " وقَرْنَ " بفتح القاف. وقرأ الباقون بكسرها.

قال أبو علي وغيره: من قرأ بكسر القاف احتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون أمراً من الوقار، فيكون قِرْنَ من الوقار مثل: عِدْنَ من الوعد، وزِنَّ من الوزن، ونحو ذلك مما تُحذف منه الفاء، وهي واو. ويحتمل أن يكون من [قرَّ] في مكانه يَقرُّ، فإذا أمر من هذا قال: اقرر، فيبدل من الراء الأولى التي هي عين الفعل الياء كراهة التضعيف، كما أبدل من إحدى النونين واليائين في دينار وقيراط، فيصير للياء المبدلة من الراء حركة الحرف المبدل منه وهي الكسرة، ثم تُلقى حركتها على فاء الفعل وهي القاف، استثقالاً للكسرة على الياء فتسكن الياء وبعدها الراء التي هي لام الفعل ساكنة، فيلتقي ساكنان، فتحذف الياء لالتقاء الساكنين، وتسقط ألف الوصل لتحرك ما بعدها فنقول: " وقِرْنَ ".

فأما من فتح القاف فقال: " قَرْنَ " فهي لغة، يقال: قررْتُ بالمكان أقَرُّ، بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل. حكاها الكسائي وغيره وأنكرها المازني وغيره، فيكون الأصل: واقررن. ثم نقل على نحو ما ذكر ما قال أبو علي. فمن لم يجوّز: قَرَرْتُ في المكان أقَرُّ بكسر العين في الماضي [وفتحها] في المستقبل لم يجوز " وقَرْنَ " بالفتح؛ لأن الأمر إنما هو من المستقبل، ومستقبل هذا الفعل لا فتحة فيه، وإنما فيه كسرة منقولة من الراء إلى القاف.

السابقالتالي
2 3 4