الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً }

قوله تعالى: { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ } " مَنْ " للبيان لا للتبعيض، { بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } قال ابن عباس: يريد: النشوز وسوء الخلق.

فإن قيل: الفاحشة السيئة البليغة في القبح، والنشوز وسوء الخلق لا يترقى إلى ذلك، فكيف سماه فاحشة؟ قلت: تعاظم ذلك وتفاحش لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونه هو المعامل به.

وحكى الماوردي عن السدي أن الفاحشة: الزنا.

وأظن الحامل له على ذلك هذا القول؛ أنه رأى هذه اللفظة لهذا المعنى في مواضع من القرآن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بل سائر رسله معصومون من صحبة زوجة تزن بهذه الريبة - على ما قررناه فيما مضى - فلا وجه لنهيهن عما لا يجوز وقوعه منهن، إنما التفسير الصحيح ما قاله ابن عباس.

{ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } أي: يجعل عذاب جرمها في الآخرة كعذاب جرمين، وإنما ضوعف عذابها؛ لزيادة قبح المعصية منها لو وجدت والعياذ بالله منها.

واختلف اللغويون في الضعف؛ فقال أبو عبيدة والأخفش: ضِعْفُ الواحد: اثنان، وضِعْفا الواحد: ثلاثة.

وقال ابن قتيبة: المراد بالضِّعْف: المِثْل، وبالضِّعْفَين: المثلين.

وقال آخرون: إذا كان ضعف الشيء مثليه وجب أن يكون ضعفاه أربعة أمثاله.

واختلف القرّاء في قوله تعالى: " يُضَعِّفْ " فقرأ ابن كثير وابن عامر: " نُضَعِّفْ " بالنون [وتشديد] العين وكسرها من غير ألف، و " العذابَ " بالنصب، وقرأ أبو عمرو بالياء وفتح العين " العذابُ " بالرفع. وقرأ الباقون بالياء وبالألف وتخفيف العين وفتحها، " العذابُ " بالرفع.

قال أبو الحسن: الخفيفة لغة أهل الحجاز، والمثقّلة لغة بني تميم.

قوله تعالى: { وَكَانَ ذَلِكَ } يعني مضاعفة العذاب لهن { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } هيناً.

وفي هذا إعلام بأن تزويجهن برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بدافع عنهن العذاب، وكيف وهو السبب في مضاعفته لهن.

قوله تعالى: { وَمَن يَقْنُتْ } قرأ ابن عامر من رواية الوليد، ويعقوب من رواية زيد عنه: «تقنت» بالتاء.

وقرأ حمزة والكسائي: { ويَعْمَل صالحاً يُؤْتِها } بالياء فيهما.

قال أبو علي: لم يختلفوا في " يقنت " أنها بالياء المنقطة من تحت، وذلك لأن الفعل مسند إلى ضمير " مَنْ " هو مذكّر، وكذلك من قرأ: " ويعمل " بالياء، حمل ذلك أيضاً على لفظ من دون معناها. ومن قرأ: " وتَعْمَل " بالتاء المنقوطة من فوق، فإنه لما لم يبين فاعل الفعل، وذكر بعده ما دلّ على أن الفعل لمؤنث حُمل على المعنى فأنَّث.

فأما الياء والنون في " نُؤْتِها " ، فالياء لما تقدم من الغيبة في قوله تعالى: { للَّهِ وَرَسُولِهِ } ، والنون على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، وقد ذكرنا أن القنوت: الطاعة.

{ وَتَعْمَلْ صَالِحاً } فيما بينها وبين ربها، { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ }.

قال مقاتل: مكان كل حسنة تثبت عشرين حسنة، { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً }: حسناً، وهو الجنة.