الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ... } الآية قال العلماء بالتفسير: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكن يومئذ تسعاً: عائشة وحفصة وسودة وأم حبيبة وأم سلمة وهؤلاء من قريش، وزينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وجويرة بنت الحارث المصطلقية، وهؤلاء من العرب، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية - من سبط هارون عليه السلام - [سألنه] شيئاً من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه في الغيرة، فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن شهراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية آية التخيير، فبدأ بعائشة فقال لها: يا عائشة، إني ذاكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك، فقالت: ما هو؟ فتلى عليها: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ... } الآية فقالت عائشة: أفيك أستأمر أبويّ، بل أختار الله ورسوله وأسألك أن لا تذكر ذلك لامرأة من نسائك، فقال: إن الله لم يبعثني متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا [خيّرتها]، ثم خيّر نساءه كلهن، فقلن مثل ما قالت عائشة.

قال ابن عباس: وكان آخر من عرض عليها منهن حفصة، فقالت: يا رسول الله مكان العائذ بك من النار، والله لا أعود لشيء تكرهه أبداً، أختار الله ورسوله، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها.

قال المفسرون: فلما اخترنه أثابهن الله تعالى بثلاثة أشياء:

أحدها: تفضيلهنَّ على سائر النساء بقوله تعالى:لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [الأحزاب: 32].

الثاني: جعلهنَّ أمهات المؤمنين.

الثالث: أنه حرّم عليه طلاقهنّ والاستبدال بهن بقوله تعالى:لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ... } [الأحزاب: 52] الآية.

واختلف العلماء فيما فيه وقع التخيير على قولين:

أحدهما: أنه الطلاق والمقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا قول عائشة ومجاهد والشعبي.

والثاني: الدنيا والآخرة، وأنهن إن اخترن الدنيا فارقهن، وإن اخترن الآخرة أمسكهن. وهذا قول الحسن وقتادة، والقولان متقاربان في المعنى.

والمراد بقوله: { أُمَتِّعْكُنَّ }: متعة الطلاق، { وَأُسَرِّحْكُنَّ }: أطلقكن. وقد ذكرنا أحكام المتعة ومعنى التسريح الجميل في البقرة.

فصل

اختلف أهل العلم فيمن خَيَّر امرأته فاختارت نفسها، فذهب أكثرهم إلى أنه يقع بها طلقة واحدة رجعية. يروى ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس، وإليه ذهب عمر بن عبدالعزيز، وبه قال ابن أبي ليلى وسفيان وأحمد والشافعي وإسحاق.

وذهب قوم إلى أنه يقع بها ثلاث طلقات. يروى ذلك عن زيد بن ثابت، وبه قال الحسن ومالك.

أما إذا اختارتِ الزوجَ فلا يقع به شيء عند الأكثرين.

قال مسروق: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفاً بعد أن تختارني. قالت عائشة: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه أو كان طلاقاً؟.

وقال الحسن: يقع به طلقة رجعية. وهو مذهب مالك.

ويروى عن علي وزيد: وإذا فوّض الرجل طلاق امرأته إليها فقال لها: طلقي نفسك، أو خيَّرها، أو قال لها: أمرك بيدك، وأراد به تفويض الطلاق وطلّقت نفسها في المجلس وقع، وإن طلقت بعد انقضاء المجلس لم يقع عند أكثر أهل العلم.

وقال الحسن وقتادة والزهري: يقع.