قوله تعالى: { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: أبا سفيان وأصحابه من الأحزاب { بِغَيْظِهِمْ } بحقدهم وغَمِّهم، { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } وهو ما كانوا يتوقعونه من الظفر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وهما حالان. ويجوز أن تكون الثانية بياناً للأولى [أو] استئنافاً. { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } بالريح والملائكة، { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً } في سلطانه، { عَزِيزاً } في قدرته وانتقامه من أعدائه. ثم ذكر ما صنع باليهود الذين أعانوا أبا سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ } أي: وأنزل بني قريظة الذين ظاهروا الأحزاب وكانوا معهم يداً واحدة على المؤمنين من حصونهم. قال ابن قتيبة: أصل الصَّياصي: قرون البقر؛ لأنها تمتنعُ بها، وتدفعُ عن أنفسها، فقيل للحصون: الصَّيَاصِي؛ لأنها تَمنع. قال الزجاج: كل [قَرْن] صِيصِيَّة، وصِيصِيَّةُ الديك: شوكته؛ لأنه يتحصَّنُ بها أيضاً. { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } الخوف الذي ملأ قلوبهم، { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } وهم المقاتلة { وَتَأْسِرُونَ } وقرأ ابن يعمر وابن أبي عبلة: " وتَأْسُرُون " بضم السين، { فَرِيقاً } وهم الذرية والنساء. { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } عقارهم ومنازلهم وأموالهم المنقولة. { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } قال الحسن: فارس والروم. وقال قتادة: مكة. وقال السدي: خيبر. وقال عكرمة: ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة. الإشارة إلى قصة بني قريظة: أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعته، اخرج إليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة ". وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: " لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها. وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحداً منهم ". وفي الصحيحين أيضاً من حديث أنس قال: " كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم موكب جبريل عليه السلام، حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة ". ونقل العلماء بالسير عن قتادة: أن جبريل أتاه صلى الله عليهما وسلم وهو عند زينب بنت جحش يغسل رأسه، فقال: عفا الله عنك، ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة، فانهض إلى بني قريظة، فإني قد قطعت [أوتادهم]، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال وبِلْبَال، فسار إليهم فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة -وقيل: خمس عشرة ليلة- أشد الحصار، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة، فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم، فأشار إليهم أنه الذبح، ثم ندم وقال: خنت الله ورسوله.