الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: " نرى هذه الآية نزلت في عمي أنس بن النضر: { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } ".

وفي الصحيحين من حديث أنس قال: " غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر. فلما قدم قال: غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله عز وجل قتالاً ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أُحُد انكشف الناس، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني: المشركين -، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء - [يعني]: المسلمين -، [ثم مشى] بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، [واهاً] لريح الجنة. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. [قال] أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قد مَثَّلُوا به، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه. قال أنس: فكنا نقول: أنزلت هذه الآية: { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } فيه وفي أصحابه ". { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } وروي عن علي عليه السلام: أنه ذكر طلحة بن عبيدالله فقال: ذاك رجل نزلت فيه آية من كتاب الله: { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } لا حساب عليه فيما يستقبل.

وقد جعل بعض المفسرين هذا القدر من الآية في طلحة، وأولها في أنس بن النضر.

ومعنى الآية: من المؤمنين رجال صدقوا [ما] عاهدوا الله فوفوا بما عاهدوه عليه، وهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة وأن لا يفروا إذا لاقوا.

قال المفسرون: منهم عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، وسعيد بن زيد، وحمزة، ومصعب بن عمير.

" فمنهم من قضى نحبه ": قال ابن عباس: حمزة ومن قتل معه، وأنس بن النضر وأصحابه.

" ومنهم من ينتظر ": عثمان وطلحة.

قال ابن قتيبة: أصل النَّحْب: النَّذْر، كأن قوماً نذورا أنهم إن لقوا العدو قاتلوا حتى يُقتَلوا، أو يَفتح الله عليهم؛ [فقُتِلوا]، فقيل: فلانٌ قضى نحبه؛ أي: قُتل.

فاستعير النَّحْب مكان الأجَل؛ لأن الأجل وقع بالنَّحْب، وكأنّ النحب سبباً له، ومنه قيل للعطية: مَنّ؛ لأن من أعطى فقد مَنّ.

وقال الزمخشري: فإن قلت: ما قضاء النَّحْب؟

قلت: وقع عبارة عن الموت؛ لأن كل حي لا بد له من أن يموت سوى الله عز وجل. فكأنه نذر لازم في رقبته، فإذا مات فقد قضى نحبه، أي: نذره.

السابقالتالي
2