الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }

قوله تعالى: { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } أي: المتثبّطين منكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم المنافقون كانوا يقولون لإخوانهم من الأنصار: ما محمد وأصحابه إلا أكَلَةُ رأس، ولو كانوا لحماً لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، فخلوهم وهلموا إلينا.

قال ابن زيد: انصرف رجل يوم الخندق من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فوجد أخاه لأبيه وعنده شواء ونبيذ، فقال له: أنت هاهنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف، فقال: هلم إليّ لقد أحيط بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبداً. فقال له أخوه: كذبت والذي يحلف به، أما والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرك، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد جبريل قد نزل بهذه الآية إلى قوله تعالى: { يَسِيراً }.

وقال ابن السائب: كان عبد الله بن أبيّ ومعتب بن قشير [والمنافقين] الذين رجعوا من الخندق إلى المدينة إذا جاءهم منافق قالوا له: ويحك اجلس فلا تخرج، ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة، وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن لا يجدوا بُداً، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غُفِلَ عنهم عادوا إلى المدينة، فنزلت هذه الآية.

وقد سبق الكلام على " هَلُمّ " في الأنعام.

{ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي: إتياناً قليلاً للرياء والسمعة، ولو كان لله لكان كثيراً.

قوله تعالى: { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } قال الزجاج: هو منصوب على الحال. المعنى: لا يأتون الحرب إلا تعذيراً بُخَلاء عليكم.

وقد ذكرنا فيما مضى أن الشُّحّ أشد البخل. والمراد: بخلاً عليكم بالنفقة في سبيل الله والنصرة.

{ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ } أي: فإذا حضر القتال واشتملوا بالخوف { رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } في تلك الحالة { تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي } أي: كعين الذي { يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي: من سكرات الموت وأسبابه، فيرهب ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف. ويقال للميت إذا شخص بصره: دارت عينه ودارت حَمَاليق عينه. ذكر هذا المعنى الواحدي.

وقال الماوردي: " فإذا جاء الخوف " فيه قولان:

أحدهما: فإذا جاء الخوف من قتال العدو إذا أقبل. وهذا قول السدي.

والثاني: الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب هؤلاء. وهذا قول ابن شجرة.

{ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } خوفاً من القتال، على القول الأول، ومن النبي صلى الله عليه وسلم، على القول الثاني.

" تدور أعينهم " فيه قولان:

أحدهما: تدور [أعينهم] لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة.

والثاني: تدور أعينهم لشدة الخوف حذراً أن يأتيهم القتل من كل جهة.

السابقالتالي
2