الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } * { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } * { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ } يعني: المدينة أو البيوت، { مِّنْ أَقْطَارِهَا }: جوانبها ونواحيها. أي: لو دخلت هذه العساكر المتحزّبة التي يفرَقون خوفاً منها بيوتهم ومدينتهم من جميع أقطارها، وجاءتهم من كل جانب، { ثُمَّ سُئِلُواْ } عند ذلك { ٱلْفِتْنَةَ } وهي الشرك، في قول ابن عباس.

أو قتال المسلمين، عند الضحاك والزجاج.

{ لآتَوْهَا } قرأ نافع وابن كثير: " لأتوها " بقصر الهمزة، على معنى: لجاؤوها. وقرأ الباقون: «لآتوها» بالمد، على معنى: لأعطوها.

وزاد هذه القراءة حسناً قوله تعالى: { سُئِلُواْ } ، فإن الإعطاء مع السؤال يتناسب.

والمعنى: لو دخلت عليهم ثم سئلوا وهم منهوبون مسلوبون تغشاهم السيوف ويفترسهم الخوف لأجابوا إلى الكفر وإلى قتال محمد وأصحابه مَقْتاً للإسلام وأهله، وحباً للكفر وحزبه.

{ وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ } قال قتادة: ما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلاً.

وقال السدي: وما تلبثوا بالمدينة إلا يسيراً حتى يعذبوا.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } أي: من قبل الخندق { لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ }.

قال قتادة: عاهدوا الله قبل الخندق وبعد بدر حين سمعوا ما أعطى الله تعالى أهل بدر من الكرامة.

وقال مقاتل: هم أهل العقبة، وكانوا سبعين رجلاً بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعة الله تعالى ونصرهم رسوله.

وهو قول فاسد؛ لأن الحديث عن المنافقين فكيف يصرف إلى أهل العقبة الذين هم أمثل أصحابه.

والصحيح: ما قاله محمد بن إسحاق: أنهم المنافقون الذين عاهدوا الله يوم أحد حين عابهم الله تعالى بما أنزل فيهم أن لا يفرُّوا.

قال الواقدي: لما نزل يوم أحد ما نزل عاهد الله معتب بن قشير [وثعلبة] بن حاطب لا نولي دبراً قط. فلما كان يوم الأحزاب نَافَقَا.

{ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } مطلوباً مقتضى حتى يوفي.

وقيل: مسؤولاً عنه في الآخرة.

ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم فقال تعالى: { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ } بعد الفرار في الدنيا { إِلاَّ قَلِيلاً } وهو مدة آجالهم.

{ قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي: من ذا الذي يجيركم ويمنعكم منه، { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً } قتلاً أو غيره من أصناف الشر، { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } نصراً على الأعداء أو غيره من أنواع الخير.

فإن قيل: كيف تساوقت الإرادتان على العصمة إلا من السوء؟

قلت: عنه جوابان:

أحدهما: أنه من باب:
وَعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً     ..................
تقديره: من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة.

الثاني: أن المراد بالعصمة: مطلق المنع، وبهذا التقرير يحسن تساوقهما عليه.