الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } * { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً }

قوله تعالى: { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } اختُبروا بضروب المحن من الحصر والجوع والبرد والخوف؛ ليتبين المخلص من المنافق، { وَزُلْزِلُواْ } زعجوا وحركوا { زِلْزَالاً شَدِيداً }.

{ وَإِذْ يَقُولُ } أي: واذكر إذ يقول { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } شك ونفاق، { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من كون فارس والروم يفتحان علينا { إِلاَّ غُرُوراً }.

قال السدي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق، فبينا هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول على صَفَا، فطار منه كهيئة الشهاب من نار في السماء، وضرب الثاني فخرج منه مثل ذلك، وضرب الثالث فخرج منه مثل ذلك، فرأى ذلك سلمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت ما خرج من كل ضربة ضربتها؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تُفتح لكم بِيضُ المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن، ففشا ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به، فقال رجل من الأنصار يدعى معتب بن قشير من الأوس: أيعدنا محمد أن تفتح لنا مدائن اليمن وبيض المدائن وقصور الروم وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل، هذا والله الغرور، فأنزل الله هذه الآية.

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } أي: من المنافقين والذين في قلوبهم مرض.

قال السدي: هو عبد الله بن أبي [بن] سلول وأصحابه.

وقال مقاتل: بنو سالم من المنافقين.

{ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ } قال أبو عبيدة: يَثْرِب: اسم أرض ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية منها.

وقيل: يثرب: اسم المدينة.

{ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ } قرأ حفص: " مُقام " بضم الميم، وفتحها الباقون.

قال أبو علي: من ضم الميم احتمل أمرين: يجوز أن يكون المُقام: المكان الذي يُقام فيه، أي: لا موضع إقامة لكم، وهذا أشبه؛ لأنه في معنى من فتح الميم. ويجوز أن يكون المقام مصدراً من أقامَ يُقيم، أي: لا إقامة لكم. فأما من فتح الميم فإن المَقام: اسم المكان من قَامَ يَقوم، أي: ليس لكم موضع تقومون فيه.

والمعنى: لا مقام لكم هاهنا في مركز القتال فارجعوا إلى المدينة.

وقال الفراء: المَقام -بالفتح-: الثبات على الأمر.

قال الحسن: قالوا: لا ثبات لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب.

وقال ابن السائب: المعنى: فارجعوا إلى طلب الأمان.

{ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ } في الرجوع إلى المدينة.

قال السدي: استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بني حارثة: أبو عوانة بن أوس وأوس بن قيظي.

قال الضحاك: ورجع ثمانون رجلاً بغير إذن.

{ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } وقرأ جماعة، منهم أبو رجاء: " عَوِرَة " بكسر الواو في الموضعين.

قال الزجاج: يقال: عَوِرَ المكانُ يَعْوَرُ عَوَراً فهو عَوِرٌ، وبيوت عَوِرة وعَوْرَة.

قال ابن السائب: المعنى: أن [بيوتنا] خالية ليس فيها إلا العورة من النساء.

قال الفراء: هو مأخوذ من قولهم: قد أعور الفارس؛ إذا كان فيه موضع خَلَل، ومنه قول الشاعر:
......................     لَهُ الشَّدَّةُ الأولى إذا القِرْنُ أعْوَرَا
وقال السدي: المعنى: أن بيوتنا مكشوفة الحيطان يخاف عليها السرق والطلب.

قال الماوردي: العرب تقول: قد أَعْوَرَ منزلُك؛ إذا ذهب ستره وسقط جداره. وكل ما كره انكشافه فهو عندهم عورة.

فأكذبهم الله تعالى بقوله: { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ } أي: ما [يريدون] { إِلاَّ فِرَاراً } من القتال ونصرة المؤمنين.