قوله تعالى: { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } اختلفوا في تأويلها؛ فقال أبو العالية ومجاهد وقتادة: المعنى: فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى. قال المفسرون: وعد صلى الله عليه وسلم أن يلقى موسى قبل أن يموت، ثم لقيه ليلة الإسراء على ما صَحَّتْ به الأخبار. قال الزجاج: الذي جاء في التفسير: لا تكن في شك من لقاء موسى، ودليله:{ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ } [الزخرف: 45]، فالمعنى: فلا تكن يا محمد في مرية من لقائه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الخطاب له ولأمته في هذا الموضع، أي: فلا تكونوا في شك من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم موسى. قال الزجاج: وقيل أيضاً: " فلا تكن في مرية من لقائه ": أي: من لقاء موسى الكتاب، وتكون الهاء " للكتاب " ، ويكون في " لقائه " ذكر موسى. ويجوز أن تكون الهاء لـ " موسى " ، و " الكتاب " محذوف؛ لأن ذكر الكتاب قد جرى كما جرى ذكر موسى صلى الله عليه وسلم. قال: وهذا والله تعالى أعلم أشبه بالتفسير. وقال أبو علي الفارسي: وفي ذلك مدح له صلى الله عليه وسلم على امتثاله ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل. وقيل: فلا تكن في مرية لقاء موسى ربه. وقيل: من لقاء الأذى كما لقي موسى. { وَجَعَلْنَاهُ } يريد: الكتاب، في قول الحسن. وموسى، في قول قتادة. { هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً } أي: من بني إسرائيل أئمة قادة في الخير، وهم العالمون العاملون. وقيل: الأنبياء. { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } يدعون الناس إلى العمل بما في التوراة، { لَمَّا صَبَرُواْ }. وقرأ حمزة والكسائي: " لِمَا " بكسر اللام وتخفيف الميم. وبها قرأتُ أيضاً ليعقوب من رواية رويس عنه. ويؤيد ذلك قراءة ابن مسعود: " بما صبروا " ، جعلوا " ما " مصدرية، على معنى: جعلناهم أئمة لصبرهم. ومن شدَّد جعل " لمّا " بمعنى: حين. وقال أبو علي: جعله كالمجازاة، إلا أن الفعل المتقدم أغنى عن الجواب، كما أنك إذا قلت: أجيئُكَ إن جئت، تقديره: إن جئت أجِئْك، [فاستغنيت] عن الجواب بالفعل المتقدم على الشرط. قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ } أي: بين الأنبياء وأممهم، أو بين المؤمنين والكافرين، ودخلت " هو " هاهنا فَصْلاً، ومثله:{ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر: 10]، وقوله تعالى:{ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [التوبة: 104].