الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } * { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ }

قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } السبب في نزولها: ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنا أحدُّ منك سناناً، وأبسطُ منك لساناً، وأملأُ للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت، فإنما أنت فاسق، فنزلت هذه الآية.

وقال شريك: نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل.

قال الزجاج: " مَنْ " لفظها لفظ الواحد، وهي تدل على الواحد وعلى الجماعة، فجاء " لا يستوون " على معنى: لا يستوي المؤمنون والكافرون.

ويجوز أن يكون " لا يستوون " للاثنين؛ لأن معنى الاثنين معنى الجماعة.

ثم أخبر عن منازل المقربين فقال: { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ }.

وقرأ ابن مسعود: " جَنَّةُ المأوى ".

وقرأ الحسن والنخعي والأعمش: " نُزْلاً " بسكون الزاي، وذلك كله.

والذي بعده مُفَسَّرٌ إلى قوله: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } أخرج مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب في قوله: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ } قال: " مصائب الدنيا، والروم، والبطشة أو الدخان. شَكَّ شُعبة في البطشة أو الدخان ".

قال ابن مسعود وقتادة: ما أصابهم يوم بدر.

وقال النخعي: سنون أخذوا بها.

قال مقاتل: أخذوا بالجوع سبع سنين.

وقال مجاهد: القتل والجوع.

وكل هذه الأقوال داخلة في قول أبي بن كعب.

قال الزجاج: وجملته: أن كل ما يعذَّبُ به في الدنيا فهو العذاب الأدنى، والعذاب الأكبر: عذاب الآخرة.

وقال البراء: العذاب الأدنى: عذاب القبر.

وقال جعفر بن محمد: العذاب الأدنى: غلاء السعر، والأكبر: خروج المهدي بالسيف.

{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى الإيمان والطاعة.

قوله تعالى: { ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } قال صاحب الكشاف: " ثم " هاهنا للاستبعاد. والمعنى: أن الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد [في العقل والعادة]، كما تقول لصاحبك: وجدت [مثل] تلك الفرصة ثم لم تنتهزها؛ استبعاداً لتركه الانتهاز. ومنه " ثُمَّ " في بيت الحماسة:
لا يكشفُ [الغَمَّاءَ] إلا ابن حُرّةٍ    يَرَى غَمَراتِ الموْتِ ثُمَّ يَزُورُها
استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن [رآها] واستيقنها واطلع على شدتها.

فإن قلت: هلاَّ قيل: إنا منه منتقمون؟

قلتُ: لما جعله أظلم من كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم، فقد دل على إصابة الأظلم النصيب الأوفر [من] الانتقام، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الفائدة.