الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا } وُعظوا وخُوِّفُوا بها { خَرُّواْ سُجَّداً } سقطوا على وجوههم ساجدين، { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } قالوا: سبحان الله وبحمده، { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن تعفير وجوههم لله تعالى.

{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } ترتفع وتَنْبُو عنها، من قولك: جفا الشيء عن الشيء وتجافا عنه؛ إذا نبا عنه ولم يلزمه.

والمضاجع: فرش النوم، ومنه قول عبدالله بن رواحة:
يبيتُ يُجافي جَنْبَهُ عنْ فِرَاشِهِ    إذا استثقَلَتْ بالكافرينَ المضاجع
{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } حال، على معنى تتجافى جنبهم داعين ربهم { خوفاً وطمعاً } لأجل خوفهم من عقابه وطمعهم في ثوابه.

قال عطاء ومجاهد: هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة.

أخرج الترمذي عن أنس في قوله تعالى: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } قال: " نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى: العتمة ".

وأخرج أبو داود عنه قال: " كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء يصلون ".

وقال أبو الدرداء: هم الذين يصلون العشاء والصبح في جماعة.

وقال الحسن وكثير من المفسرين: هم المتهجدون بالليل، وهو اختيار الزجاج؛ لقوله تعالى: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } قال: لما كان قيام الليل عملاً يَسْتَسِرُّ الإنسان به جعل لفظ ما يجازى عليه أخفى.

وفي الحديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: إن شئت أنبأتك بأبواب الخير؟ قلت: أجل يا رسول الله. قال: الصوم جُنّة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله. قال: ثم قرأ هذه الآية: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } ".

قوله تعالى: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } قرأ حمزة ويعقوب والحلبي عن عبدالوارث عن أبي عمرو: " أُخْفِيْ " بسكون الياء، وحرّكها الباقون بالفتح. فمن أسكن الياء جعله فعلاً مستقبلاً، على معنى: ما [أخفي] أنا لهم، ومن فتحها جعله فعلاً ماضياً لم يُسَمّ فاعله.

و " ما " استفهامية، أو بمعنى: الذي.

وقرأ ابن مسعود وأبو الدرداء وأبو هريرة: " منْ قُرَّاتِ أعين " على الجمع.

قال ابن عباس: هذا مما لا تفسير له، والأمر أعظم وأجلّ مما يُعرف تفسيره.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرؤوا إن شئتم: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ".

قال الزجاج: { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }: مفعول له.