الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } قال ابن السائب ومقاتل: كان النضر بن الحارث يخرج تاجراً إلى فارس، فيشتري كتباً فيها أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً، ويقول لهم: إن محمداً يحدثكم حديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم حديث رستم [واسفنديار وأخبار] الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزلت هذه الآية.

وقال مجاهد: نزلت في شراء القِيان والمغنيات.

وروي: أن النضر كان يشتري المغنيات، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به [إلى] قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنّيه، ويقول: هذا خير لك مما يدعو إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في رجل اشترى جارية كانت تغنّيه ليلاً ونهاراً.

وقد أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن، وأثمانهن حرام ".

وفي مثل هذا نزلت هذه الآية: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ... } إلى آخر الآية.

وقال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية فقال: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.

وقال قتادة: هو كل لهو.

قال أهل المعاني: فيدخل في هذا كل من اختار اللهو واللعب والمعازف والمزامير على القرآن.

قوله تعالى: { يَشْتَرِي } إما أن يكون على حقيقته - كما روينا عن النضر -، أو على مجازه، وهو إيثار اللهو، واختياره على ما أسلفنا في قوله:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [البقرة: 16].

قوله تعالى: { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قرأ أهل الكوفة: " ليُضِلَّ " بضم الياء، على معنى: ليضل غيره، وقرأ الباقون بفتح الياء، على معنى: ليصير أمره إلى الضلال.

وقوله: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } في محل الحال من الضمير في " يَشْتَرِي " ، أو في " ليُضِلَّ " فهو تجهيل للمُضِلّ أو تجهيل للمشتري حيث لم يهتد إلى التجارة الرابحة.

قوله تعالى: { وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } قرأ حمزة والكسائي وحفص بنصب الذال، ورفعها الباقون.

فمن نَصَبَ عَطَفَ على " ليُضِلَّ " ، ومن رَفَعَ عَطَفَ على [ " يَشْتَرِي " ]، والضمير المنصوب في " يتّخِذَها " يعود إلى الآيات، أو إلى " سبيل الله " ، فإن السبيل يُؤنّث ويذكّر، وقد ذكر فيما مضى.

ويجوز عندي: أن يعود الضمير إلى " الآخرة " ، فإن تكذيبهم بها واستهزاءهم بما كانوا يتوعدون به فيها متداول مشهور بينهم.

قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } أي: على المشتري لهو الحديث. وفي قوله: { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } تحقيق لمعنى استكباره وعدم مبالاته بالله تعالى وآياته.

{ كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } أي: ثِقلاً. والجملتان المصدريتان بـ " كأنّ " مستأنفتان.

ويجوز أن يكون الأولى حالاً من " مُسْتَكْبراً " ، والثانية حالاً من " لم يسمَعْها " ، والأصل في كأن المخففة: كأنّه، والضمير ضمير الشأن.