الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } سبب نزولها: أن رجلاً من أهل البادية يقال له: الوارث بن عمرو بن حارثة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن الساعة متى قيامها، وإني قد ألقيت [حباتي] في الأرض وقد [أبطأت عنّا] السماء فمتى تمطر، وأخبرني عن امرأتي فقد اشتملت ما في بطنها ذكراً أم أنثى، وإني عملت ما عملت أمس فما أعمل غداً، وهذا مولدي قد عرفته فأين أموت؟ فنزلت هذه الآية.

وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم متى [تغيض] الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله ".

وقال ابن عباس: من ادعى علم هذه الخمسة فقد كذب، وإياكم والكهانة، فإن الكهانة تدعو إلى الشرك، والشرك وأهله في النار.

وقال الزجاج: من ادعى أنه يعلم شيئاً من هذه فقد كَفَرَ بالقرآن؛ لأنه خالفه.

ومعنى قوله تعالى: { عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ }: علم قيامها.

{ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ } قال صاحب كشف المشكلات: هذه الآية تدل على أن الظرف يشبه الفعل، ألا ترى أنه قال: " عنده علم الساعة " ، فجاء بالظرف وما ارتفع به، ثم قال: " وينزل الغيث " ، فعطف الفعل والفاعل على الظرف وما ارتفع به، ومثله:نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ } [المؤمنون: 21] فصدَّر بالفعل والفاعل، ثم عطف بالظرف، وأنشد:
نُقاسمُهُم أسيافَنَا شَرَّ قسمةٍ    ففينا غَواشيها وفيهمْ صُدُورُها
فصدَّرَ بالفعل والفاعل، ثم أتى بالظرف وما ارتفع به.

ويجوز أن يكون التقدير: وأن ينزل الغيث، أي: عنده علم الساعة وإنزال الغيث، فحذف " أنْ " كقوله:
............ أحْضُر الوغى     .........................
والمعنى: وينزل الغيث في زمانه ومكانه.

{ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ } من ذكر أو أنثى، وتام وناقص، ومؤمن وكافر، وحسن وقبيح، وأبيض وأسود، إلى غير ذلك.

{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } من خير أو شر، وربما كانت عازمة على شيء فينقلب معكوساً، و " ماذا " ينتصب بقوله: " تكسب " ، لا بقوله: " تدري "؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.

{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } قال بعض العلماء: كم من نفس أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت: لا أبرح أو أقبر فيها، فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها ولا حدثتها بها ظنونها.

ويروى: أن مَلَكَ الموت عليه السلام مرّ على سليمان عليه السلام، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه، فقال الرجل: من هذا؟ قال: ملك الموت، قال: [فكأنه] يريدني، وسأل سليمان أن يحمله على الريح وتلقيه ببلاد الهند، ففعل، ثم قال ملك الموت لسليمان: كان دوام نظري إليه تعجباً فيه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك.

السابقالتالي
2