الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }

قال السدي: قال ابن لقمان لأبيه: أرأيت لو أن حبّة من خردل في مَقْل البحر أكان الله تعالى يعلمها؟ فقال له ما أخبر الله تعالى عنه في قوله: { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ }.

قرأ نافع: " مثقالُ " بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.

فمن رَفَعَ جعل " كان " تامة لا تحتاج إلى خبر، فرفع " المثقال " بها، وأتى بالفعل على لفظ التأنيث حملاً على المعنى؛ لأن المثقال في معنى السيئة أو المظلمة، ومثله قوله تعالى:فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160] فأنَّث؛ لأن المعنى: فله عشر حسنات.

ومن نَصَبَ جعل " كان " ناقصة، فأضمر فيها اسمها، ونصب " المثقال " على الخبر، على معنى: إن تك المظلمة أو السيئة قدر مثقال حبة من خردل.

{ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } قال ابن عباس: هي صخرة تحت الأرضين السبع، وهي التي تكتب فيها أعمال الفجار، وخضرة السماء منها.

قال السدي: هذه صخرة ليست في السماوات ولا في الأرض، هي تحت سبع أرضين، عليها ملك قائم.

وقال قتادة: " فتكن في صخرة ": في جبل.

وقرأ عبدالكريم الجزري: " فَتَكِنَّ " بكسر الكاف، من قولهم: كَنَّ الطائرُ يَكِنُّ وُكُوناً؛ إذا استقرّ [في] وكنته، وهو مقره ليلاً، وهو أيضاً عُشّه الذي يبيض فيه ووَكْرِه، ومنه قول الشاعر:
وقد أغْتَذِي والطيرُ في وَكَنَاتِها    بمنجَردٍ قَيْدِ الأوابدِ هَيْكَل
{ يَأْتِ بِهَا } يوم القيامة للحساب والجزاء، { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ } يصل علمه إلى كل خفي.

وقال قتادة: لطيف باستخراجها، { خَبِيرٌ } بمستقرها.

قوله تعالى: { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ } أي: على ما أصابك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى ما أصابك من المصائب.

{ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } سبق تفسيره في آخر آل عمران.

قوله تعالى: { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم: " تُصَعِّرْ " بتشديد العين من غير ألف. وقرأ الباقون: " تُصَاعِرْ " بألف مع تخفيف العين.

قال أبو علي: هما لغتان، مثل: ضَاعَفَ وضَعَّف. وقال أبو الحسن: " تُصَاعِرْ " لغة أهل الحجاز، و " تُصَعِّر " لغة تميم. والمعنى فيه: لا تتكبر على الناس ولا تُعرض عنهم تكبراً عليهم.

قال أبو عبيدة: أصل هذا من الصَّعَرِ الذي يأخذ الإبل في رؤوسها وأعناقها.

قال أبو علي: كأنه يقول: لا تعرض عنهم، ولا تَزْوَرَّ كازْوِرَار الذي به هذا الدّاء الذي يلوي منه عنقه ويُعرضُ بوجهه.

قال ابن عباس: هو الذي إذا سُلِّمَ عليه لوى عنقه كالمستكبر.

وقال مجاهد: هو الرجل يكون بينه وبين أخيه الحِنَة - الصَّدّ - فيراه فيعرض عنه.

وباقي الآية مفسر في سُبْحان والنساء.

قوله تعالى: { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي: اعدل فيه واجعله بين المشيين، لا تدبّ كدبيب المتماوتين، ولا تثب وثب [الشطار]، وليكن قصداً خارجاً عن قانون الاختيال والإسراع المُذْهِب بالوقار.

قال عطاء: امْشِ بالوقار والسكينة.

{ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } أي: انقص منه.

قال الزجاج: ومنه: غَضَضْتُ بصَري، وفُلانٌ يَغُضُّ [بَصَرهُ] من فلان، [أي: يتنقَّصُه].

{ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ } أقبح الأصوات. قال الزجاج: يقول: أتانا فُلانٌ بوجه مُنْكَر، أي: قبيح.

قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله الله للحمير.

وقرأ أبو المتوكل وابن أبي عبلة: " أن أنكر " بفتح الهمزة.