ثم دلّهم على وحدانيته وقدرته بما يشاهدونه من عجائب صنعته فقال: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي: يجعله مُتَّصلاً في سَمْت السماء، كقوله تعالى:{ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } [إبراهيم: 24]. { كَيْفَ يَشَآءُ } على ما تقتضيه الحكمة الإلهية من قليل وكثير. { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } قِطَعاً متفرقة. والمعنى: يجعله متصلاً تارة ومتفرقاً أخرى. وقرأ أبو جعفر وابن ذكوان: «كِسْفاً» بسكون السين، وقد ذكر معناه. { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } وهو المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } أي: من خلال السحاب، { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ } أي: [بالودق] { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } والمعنى: أصاب بلادهم وأراضيهم. قوله تعالى: { مِّن قَبْلِهِ } توكيد لقوله: { مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } ومعنى التوكيد: الإشارة إلى استحكام يأسهم من المطر لتطاول عهدهم. { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ } وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة إلا أبا بكر: " آثار " على الجمع. قال مقاتل: " آثار رحمة الله ": هو النبت، وهو أثر المطر، والمطر رحمة الله. قوله تعالى: { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً } هذه اللام في " ولئن أرسلنا " هي اللام الموطئة للقسم دخلت على حرف الشرط، إذا أتت الريح بلفظ الواحد أريد بها العذاب، كما سبق آنفاً. { فَرَأَوْهُ } يعني: أثر رحمة، وهو النبت { مُصْفَرّاً } قد ذهبت نضارته وخضرته. وقيل: الضمير في قوله: " فرأوه " يعود إلى السحاب، على معنى: فرأوا السحاب مصفراً فإنه إذا كان كذلك لا يمطر. قوله تعالى: { لَّظَلُّواْ } يعني: لصاروا، وهو جواب يسدّ مسدّ جوابي القسم والشرط. { مِن بَعْدِهِ } أي: من بعد اصفرار النبات أو السحاب { يَكْفُرُونَ } بأنعم الله السالفة، فهم في جميع أحوالهم مذمومون، إن أنعم عليهم بطروا، وإن ابتلوا كفروا.