الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }

قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } حال من المأمور أو من " الدين ". والمعنى: قوّم وجهك للدين وعِّدله ولا تلتفت يميناً ولا شمالاً، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه.

وقال أبو سليمان الدمشقي: المعنى: استقم بدينك نحو الجهة التي وجهك الله تعالى إليها.

{ فِطْرَتَ ٱللَّهِ } أي: الزموا فطرة الله، أو عليكم فطرة الله.

{ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } والفطرة: الخَلْق، بدليل قوله: { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } قال الزجاج: معناه: خِلْقَةَ الله التي خَلَقَ عليها البشر. قال: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يُولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه [ويمجّسانه] " ، معناه: أن الله عز وجل فطر الخلق على الإيمان به، على ما جاء في الحديث: " أن الله تعالى أخرجهم من صلب آدم كالذر، وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم " ، وذلك قوله تعالى:وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ... } الآية [الأعراف: 172] قال: فكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدتْ [بأن] الله تعالى خالِقُها.

فمعنى " فطرة الله ": دين الله التي فطر الناس عليها.

وقال الزمخشري وغيره: المعنى: أن الله تعالى خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإسلام، غير نائين عنه ولا منكرين له؛ لكونه مجاوباً للعقل، مساوقاً للنظر الصحيح.

قوله تعالى: { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } قال الزجاج: أكثر ما جاء في التفسير أن معناه: لا تبديل لدين الله، وما بعده يدل عليه، وهو قوله تعالى: { ذلك الدين القيم }.

وقال الزمخشري: المعنى: لا ينبغي أن تُبدل تلك الفطرة ولا أن تُغير.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ }: أنه خصاء البهائم.

قوله تعالى: { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } أي: راجعين إلى الله، وهو حال من " فأقِم "؛ لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمّته، كقوله تعالى:يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [الطلاق: 1].

ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في الفعل العامل في " فطرة الله " النصب، تقديره: الزَمُوا فطرة الله منيبين، فيكون العامل وصاحب الحال مضمرين، كقوله تعالى:فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } [البقرة: 239] أي: فصلّوا رجالاً أو ركباناً.

وقوله تعالى: { وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ } معطوف على الفعل المضمر الذي هو: الزموا.

قوله تعالى: { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } قال مقاتل: كل ملّة بما عندهم راضون.

وقال الزمخشري: " من الذين فَارَقُوا " بدل من " المشركين ". ويجوز أن يكون منقطعاً مما قبله. ومعناه: من المفارقين دينهم، كل حزب فرحين بما لديهم، ولكنه رفع " فرحون " على الوصف لـ " كل " ، كقوله:
وكلُّ خَليلٍ غيرِ هَاضمٍ نفسِه    ......................