قوله تعالى: { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي: بين لكم شبهاً من أنفسكم، { هَلْ لَّكُمْ } أيها السادة { مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني: من عبيدكم { مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ }. فـ " مِنْ " الأولى للمبتدأ، والثانية للتبعيض، والثالثة زائدة. والمعنى: هل يشارككم عبيدكم فيما رزقناكم من المال والعبيد والأهل. { فَأَنتُمْ فِيهِ } أيها السادة والعبيد { سَوَآءٌ }. وموضع قوله: { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ }: النصب؛ لأنه جواب قوله: { هَلْ لَّكُمْ } ، تقديره: هل لكم منهم شركاء فتستووا. { تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } قال ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كإرث بعضكم بعضاً. وقيل: المعنى: تهابون عبيدكم وتخشون أن يستبدوا بالتصرف دونكم كما يهاب ويخشى بعضكم بعضاً. ومعنى الكلام: إذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم، فكيف ترضونه لي وأنا المالك على الحقيقة، الموجد للخليقة، وكيف تجعلون لي من خلقي وعبيدي شركاء ولا تجعلون ذلك لأنفسكم. قال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في تلبية المشركين وقولهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. قوله تعالى: { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } يشير إلى أن المشركين لم يأخذوا في شركهم بدليل نقلي ولا برهان عقلي، وإنما هو مجرد هوى. وقوله تعالى: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } في موضع الحال، تقديره: اتبعوا أهوائهم جاهلين. وهذا غاية الذم؛ لأنهم لو اتبعوا أهواءهم عالمين لرُجِيَ رجوعهم، ولكانوا بسبيل من مراجعة رشدهم.