الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } يجوز أن يكون " في أنفسهم " ظرفاً، على معنى: أو لم يحدثوا التفكر في أنفسهم، أي: في قلوبهم [الفارغة من الفكر]، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقولك: " اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك " ، وأن يكون صلةً للتفكر، كقولك: تَفَكَّر في الأمر.

{ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } قال صاحب الكشاف: يجوز أن يكون " ما " نفياً فتقف على قوله: { في أنفسهم } وتبتدئ بـ " ما " ، وقد عدى التفكر بـ " في " ، فجرى مجرى قوله:أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 185].

ويجوز أن تجعل " ما " متصلاً بما قبله وإن كان نفياً، كقوله تعالى:وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [فصلت: 48]. والمعنى: لم يخلقهما عبثاً ولا باطلاً.

قال الفراء والزجاج في قوله تعالى: { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: إلا للحق، أي: لإقامة الحق، يعني: للثواب والعقاب.

وقال الزمخشري: الباء في قوله: { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } مثلها في قولك: دخلت عليه بثياب السفر، واشترى الفرس بسرجه ولجامه، يريد: اشتراه وهو ملتبس بالسرج واللجام، غير منفك عنهما. وكذلك المعنى: ما خلقهما إلا وهي ملتبسة بالحق مقترنة به.

{ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي: وتقرير أجل مسمى، وهو قيام الساعة.

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } هذا الاستفهام في معنى التقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم في آثار الهالكين من الأمم المكذبة.

ثم وصفهم فقال: { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } حرثوها وقلبوها للزراعة والغرس، ويقال لبقر الحَرْث: المُثِيرَة، ومنه: الثَّوْر؛ لإثارته الأرض.

ويروى عن أبي جعفر: " وآثاروا الأرض " بالمد.

وقال ابن مجاهد: ليس هذا بشيء.

قال أبو الفتح: ظاهره لعمري منكر، إلا أن له وجهاً [مَّا، وليس] لحناً مقطوعاً به، وذلك أنه أراد: " وأثاروا " ، إلا أنه أشبع الفتحة من الهمزة، فأنشأ عنها ألفاً، وقد ذكرنا ذلك وشواهده، ونحوه:
.....................    ومِنْ ذَمِّ الرجالَ بمنتزاح
أراد: بمُنْتَزَح. وقد سبق إنشاد البيت.

وهذا لعمري مما يختص به ضرورة الشعر، ولا يجوز في القرآن.

قوله تعالى: { وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } أي: وعمرها أولئك [المدمرون] أكثر مما عمرتها قريش؛ لشدة بطشهم وطول أعمارهم وآمالهم، وكثرة عُدَدهم وعَدَدِهم.

ويجوز أن يكون الضمير المرفوع في " عَمَرُوها " في الموضعين للذين من قبلهم، على معنى: وعَمَرُوها أكثر مما عَمَّرُوا فيها، فيكون عَمَرَ وعَمَّرَ لغتين من البقاء، وهذا الوجه [ذكره] صاحب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات.

قوله تعالى: { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: " عاقبةُ " بالرفع، ونصبها الباقون.

السابقالتالي
2