الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤـمۤ } * { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } * { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } * { فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }

قوله تعالى: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } يعني: في أدنى أرض العرب؛ لأنها الأرض المعهودة عندهم.

قال ابن عباس: هي الأردن [و] فلسطين.

وقال عكرمة: أَذْرِعات وكَسْكَر.

وقيل: أراد في أدنى أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه، أي: في أقرب أرض الروم إلى عدوهم.

قال مجاهد: هي أرض الجزيرة، وهي أدنى أرض الروم إلى فارس.

{ وَهُم } يعني: الروم { مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ } وقرأ أبو الدرداء وأبو رجاء وعكرمة: " غَلْبهِم " بسكون اللام، وهما مصدران؛ [كالحَلْب] والحَلَب، والجَلْب والجَلَب، وهذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

والمعنى: وهم من بعد غلب فارس إياهم { سَيَغْلِبُونَ } فارس.

{ فِي بِضْعِ سِنِينَ } في البضع أقوال ذكرتها في سورة يوسف.

وقد أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد قال: " لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت: { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } إلى قوله تعالى: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس ".

وقرأ جماعة: منهم أبو سعيد الخدري، والحسن، وعيسى بن عمر: " غَلَبَت الروم " بفتح الغين واللام، " سَيُغْلَبُون " بضم الياء وفتح اللام، وبها قرأتُ لأوقية عن اليزيدي، فيكون قوله: " غلبهم " من باب إضافة المصدر إلى الفاعل.

والمعنى: غلبت الروم فارس في أدنى الأرض " وهم " يعني: الروم " من بعد غلبهم سيغلبون " أي: يغلبهم المسلمون، " في بضع سنين " عند انقضاء هذه المدة أخذ المسلمون في جهاد الروم.

{ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } أي: من قبل أن يغلبوا وما بعد ما يغلبون.

{ وَيَوْمَئِذٍ } يعني: يوم غلبة الروم فارس { يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ } تعالى أهل الكتاب على فارس.

وقيل: يفرح المؤمنون بنصر الله إياهم في إظهار صدقهم وتحقيق معجزة نبيهم.

ويجيء على الحديث الذي رويناه آنفاً؛ أن يراد: نصر المؤمنين يوم بدر. ويجوز أن يراد عموم ذلك.

قال الزجاج: وهذه من الآيات التي تدل على أن القرآن من عند الله؛ لأنه أنبأ بما سيكون، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى.

قوله تعالى: { وَعْدَ ٱللَّهِ } قال الزجاج: النصب على أنه مصدر مؤكد؛ لأن قوله: { من بعد غلبهم سيغلبون } هو وعد من الله تعالى للمؤمنين، فقوله: " وعد الله " بمنزلة وعدَ الله وعداً.

{ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } أن الروم تظهر على فارس، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } من أهل مكة { لاَ يَعْلَمُونَ } أن الله وعد بذلك.

{ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } مما يتعلق بمكاسبهم ومعايشهم.

قال الحسن البصري: بلغ -والله- من عِلْم أحدهم بالدنيا أنه ينقر الدرهم بيده فيخبرك بوزنه ولا يحسن يصلي.

قال الزمخشري: قوله: { يَعْلَمُونَ } بدل من قوله: { لاَ يَعْلَمُونَ } وهذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا، وقوله تعالى: { ظاهراً من الحياة الدنيا } يفيد أن [للدنيا] ظاهراً وباطناً، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة، يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة.

{ وَهُمْ } الثانية يجوز أن تكون مبتدأ، و { غَافِلُونَ } خبره، والجملة خبر " هم " الأولى، وأن يكون [تكريراً للأولى]، و " غافلون " [خبر] الأولى.