الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } قال مجاهد: فَخَرَ المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل من الكعبة، وقال المسلمون: الكعبة أفضل؛ فنزلت هذه الآية.

قال أبو هريرة: كانت الكعبة حشفة على الماء، عليها ملكان يسبحان الليل والنهار قبل الأرض بألفي سنة.

وقال ابن عباس: وُضِع البيت على الماء على أربعة أركان، قبل أن تخلق الدنيا بألفي سنة، ثم دحيت الأرض من تحت البيت.

وفي الصحيحين من حديث أبي ذر قال: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أَوَّلاً؟ قَالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: المَسْجِدُ الأقْصَى، قال: قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً ".

وفي آخر حديث البخاري: " ثم الأرض لك مسجد، فحيث ما أدركتك الصلاة فَصَلِّ، فإن الفضل فيه ".

وقد أوردنا عند قوله:وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } [البقرة: 127] ما يدل على أوّليته أيضاً.

واختلفوا في بكة ومكة؛ فقال الضحاك: هما واحد، واحتجوا بأن الباء تبدل من الميم؛ كلازم ولازب، وسَبَّدَ رأسه وسَمَّدَه؛ إذا استأصله.

وذهب الأكثرون إلى أن بينهما فرقاً، فقالوا: مكة -بالميم-: اسم لجميع البلد، وبكة: اسم للبقعة المبنى فيها البيت. قاله ابن عباس ومجاهد وإبراهيم في آخرين.

وقال الزهري: بكة -بالباء-: اسم للمسجد والبيت، ومكة: اسم للحرم كله.

والبَكُّ في اللغة: الازدحام والدَّقّ، فسُمِّيَ البيت بذلك؛ لأنه مزدحم الطائفين وقاصم أعناق الجبارين الباغين له السوء.

وقال قطرب: هو من بَكَكْتُ الرَّجُل؛ إذا وضعتُ منه ورددت نَخْوَته، فهو يضع من نخوة المتجبرين.

وقوله: { مُبَارَكاً } حال من المستكنّ في الظرف، أي: استقر ببكة في حال بركته، { وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } لأنه مطافُهم ومزارُهم، وقِبْلتُهم.

وروى ابن عمر عن النبي أنه قال: " من طاف بالبيت لم يرفع قدماً ولم يضع أخرى، إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة ".

قوله: { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ } وقرأ ابن عباس ومجاهد: " آية بيِّنة ".

{ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ } عطف بيان، وصح بيان الجماعة بالواحد على قراءة الأكثرين؛ لاشتمال مقام إبراهيم على آيات متعددة؛ منها:

- تأثير قدميه في صخرةٍ صَمَّاء، آيةً لله، ومعجزة لإبراهيم.

- وإلانة بعضها دون بعض.

- وحفظها مع كثرة أعداء الحق وأهله.

قال ابن جرير: فيه إضمار تقديره: منها مقام إبراهيم.

قال المفسِّرون: والآيات فيه كثيرة؛ منها:

- مقام إبراهيم.

- وامتناع الطير من العلوّ عليه، واستشفاء المريض منها به.

- وتعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته.

وقال علي رضي الله عنه: الآيات البينات: مقامُ إبراهيم، وأمنُ مَن دخله.

وقال القاضي أبو يعلى: يجتمع الكلب والظبي في الحرم، فلا الكلب يهيج الظبي، ولا الظبي يستوحش منه.

السابقالتالي
2